التنظيمات الاجتماعية
التنظيم سمة من سمات العصر الحديث الذي يسمى بعصر التنظيمات . وقد شهدت المجتمعات الحديثة الكثير من التغيرات التي أسهمت في حدوث النمو التنظيمي ، يأتي من بينها التغيرات الإجتماعية والاقتصادية والسياسية التي جعلت التنظيمات الحديثة أكثر قدرة وكفاءة على تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها . ويعتبر التباين الذي اتسمت به مظاهر الحياة الإجتماعية المختلفة ، من أبرز التحديات التي تواجه التنظيمات الحديثة من حيث النشاطات والوظائف المستحدثة التي كانت نتاجا لتعقد الحياة الإجتماعية وتشعبها .
وهناك إضافة إلى هذه التغيرات البنائية ، تغيرات ثقافية لعبت دورا هاما في إحداث ثورة تنظيمية حديثة ، ولقد كانت هذه التغيرات الثقافية واضحة من خلال سيطرة قيم ثقافية حديثة تؤكد وضوح الهدف والفاعلة والموضوعية والتخصص ، وهذه القيم تعتبر من خصوصيات التنظيمات الحديثة .
وقد ساعد النمو التنظيمي على ظهور الكثير من العناصر الإيجابية يأتي من بينها التعاون الذي يتطلبه التنظيم الحديث من أجل البقاء والاستمرار ، وقد حل هذا التعاون محل الإعتماد الذي كانت تقوم عليه الأشكال التقليدية للتنظيم ، وهناك من ينظر إلى التنظيمات الحديثة بوصفها أدوات أو وسائل تضمن تحقيق الأهداف ، وأنها الشكل التنظيمي القادر على الوفاء بما تتطلبه المجتمعات الحديثة .
ويستخدم مفهوم التنظيم للإشارة إلى المجموعات العملية كالمصانع والنقابات والمصارف والجمعيات المختلفة ، أي المجموعات التي تسعى وراء أغراض معينة كانتاج السلع أو توزيعها ، وهو يدل من جهة أخرى على بعض المسالك الإجتماعية وبعض السياقات الإجتماعية كعملية تنظيم هذه النشاطات المتعددة والوسائل الكفيلة بتحقيق الأهداف الجماعية مثل ( الإنــتاج والتثقيــف والتوزيع ) وادماج مختلف الأفراد ضمن وحدة متجانسة .
ويستخــدم عالم الاجتماع أحـيانا نفس المفهوم للدلالة على وحدات اجتماعية قائــمة ، وأحيانا أخرى يستعين به للدلالة على المسالك الجماعية المتجهة نحو أهداف معينة والمحددة انطلاقا من بعــض الحاجات . فيبدو عندها التنظيم بمثابة وسيلة أو نسق ، وحينــئذ ، يمكن وصف التصرفات الجماعية ضمن إطار النـظرية العامة للسلوك الإجتماعي ، حيث يجري تحديد ودرس الوسائل الموضوعة قيد التنفيذ استنادا إلى الحوافز التي تثيرها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها ، ويبدو عمل علم اجتماع التنظيم كأنه عمل مزدوج ، فعالم الاجتماع يسعى إلى دراسة هذه التنظيمات دراسة وصفية من ناحية ومعرفة الديناميات الداخلية لهذه التنظيمات من ناحية أخرى.
ويشير التنظيم الإجتماعي إلى مجموعة ثابتة نسبيا من العلاقات المتبادلة بين الأجزاء المكونة سواء أكانت أفرادا أو جماعات ، ويترتب على ذلك أن توجد له خصائص يمكن أن تؤدي إلى وجود كل قائم بذاته ويمكن النظر إلى المجتمع كله باعتباره نسق مركب من تنظيمات ، ولهذا يمكن أن نتبين أن التنظيم الإجتماعي للمجتمعات مسألة حجم ، فكلما زاد السكان اتسع التنظيم وتعدد ، وتنوعت وظائفه مع تراكم ثقافته . كما أن التنظيم الإجتماعي حين يزداد عدداً وتزداد التنظيمات ذات الغرض الواحد ، وعندما يحدث التغير الإجتماعي فإن التنظيم يفقد بعض وظائفه ، تماما كما تفقد الأسرة بعض وظائفها لتنتقل إلى مؤسسات وأجهزة رسمية أخرى .
وسوف نتطرق في هذا الإطار لنوعين من التنظيمات من حيث الوظائف والمكونات والأهداف وهي التنظيم غير الرسمي والتنظيم الرسمي .
مفهوم التنظيم الإجتماعي
التنظيم عبارة عن سلوك اجتماعى موجه نحو أهداف محددة ، والتنظيمات هي مجموعات عملية تسعى وراء أهداف خاصة ، وفي هذا الإطار ، لا يشكل التنظيم إلا وسيلة لبلوغ هذه الأهداف . وبهذا المعنى يختلف التنظيم الإجتماعي ويتفاوت تفاوتا شديدا من ثقافة لأخرى ، ويدل هذا التفاوت على أن الصور المختلفة للحياة الإجتماعية الإنسانية مكتسبة وليست فطرية ، فالإنسان دائما يشبع حاجاته ضمن إطار التنظيم الإجتماعي ، وهذا يعني أن الحياة الإجتماعـية المنظمة في معـناها البسيط تتمثل في الاسلوب المألوف للوجود الإجتماعي . والتنظيم الإجتماعي كمصطلح سوسيولوجي ، يشير إلى كل الأساليب والطرق التي تضفي طابعا نظاميا على السلوك الإنساني ، وهذا الإنتظام يرجع إلى البيئة الإجتماعية المحيطة بأعضاء المجتمع ، والتي تتألف من عنصرين متكاملين هما : بناء العلاقات الإجتماعية المتبادلة بين مختلف الوحدات الإجتماعية والضوابط الموجهة للسلوك .
والتنظيم بمعناه العام وحدة اجتماعية أو جماعة يرتبط أعضاؤها فيما بينهم بشبكة علاقات تنظمها مجموعة محددة من القيم والمعايير الإجتماعية ، وهذا هو المفهوم الواسع للتنظيم الذي يشير إلى طائفة من الظواهر الإجتماعية تتناول بصفة عامة الطرق والوسائل التي يتخذ بمقتضاها السلوك الإنساني طابعا منظما منتظما .
وبعبارة أخرى ، يشير التنظيم الإجتماعي إلى الأساليب التي تضمن انتظام السلوك بالشكل الذي يمكن ملاحظته ، ويتوقف ذلك على الظروف الإجتماعية التي يعيشها الأفراد ، وتشير عناصر التنظيم الإجتماعي إلى توافر علاقات اجتماعية بين عدد كبير من الأفراد ، وتوافر معتقدات مشتركة توحد بينهم وتوجه سلوكهم
بينما يشير المعنى المحدد للتنظيم إلى الوحدة الإجتماعية التي تقام بطريقة مقصودة لتحقيق أهداف محددة ، وتتخذ طابعا بنائيا يلائم تحقيق هذه الأهداف ، وقد تختلف مسميات التنظيم ، لكن جوهرها واحد لا يتغير ، فقد يستخدم البعض مصطلح البيروقراطية للإشارة إلى المعنى الذي يقصد بمصطلح التنظيم ، وقد يميل البعض الآخر إلى استخدام مصطلحات محددة مثل منظمة أو مؤسسة لكنها تشير أيضا إلى المعنى الذي يتضمنه مصطلح التنظيم .
ويستخدم البعض مفهوم البناء الإجتماعي محل التنظيم الإجتماعي ، وهو بذلك يعني تنظيم معين للسلوك اليومي لأفراد المجتمع ولعلاقاتهم الإجتماعية بطريقة تتيح التنبؤ بسلوك هؤلاء الأفراد ، ويعد مفهوم البناء الإجتماعي مفهوما أساسيا من مفاهيم علم الاجتماع ، ومن بين أبرز عناصره النظم الإجتماعية ، والمعايير ، والمكانات والأدوار ، والجماعات . وتعني كلمة بناء تنظيم معين لعناصر منظمة يمكن التنبؤ بها . وتعيش المجتمعات وتستمر في البقاء بفضل هذا التنظيم المعين الذي يعرف بمقتضاه كل عضو من أعضاء الجماعة ما ينبغي أن يقوم به ، وبدون ذلك لا يمكن أن يحيا الناس معا .
ويتحدد شكل التنظيمات الإجتماعية عن طريق وظائفها ، وبدون هذه الوظائف لا يستطيع البناء أن يدوم ، مع أن بعض التنظيمات بامكانها أن تستمر بوظائف محددة واضحة أو غير واضحة ، مركبة أو متغيرة . والتنظيم الإجتماعي كسلوك يتميز بعدة خصائص أبرزها :
1- تقسيم العمل باعتباره ظاهرة ملازمة للتنــظيم الإجـتماعي ولا تخلو منها أي جمــاعــة انسانية .
2- الأدوار والمراكز الإجتماعية باعتبارها بناء مرافق لتقسيم العمل .
3- المعايير الإجتماعية الموجهة للسلوك ، أو قواعد الفعل الإجتماعي التي تحكم طريقة قيام الفرد بالأدوار المنوطة به .
4- الاتصال بين الأفراد بهدف تحقيق الغايات الجمعية ، فهناك الاتصال المباشر بين أعضاء الجماعة الصغيرة والبسيطة ، ويسمى الاتصال الأولي ، وهناك الاتصال الجمعي الذي يحدث على نطاق واسع ودرجة عالية من التخصص .
5- لا بد أن يتضمن التنظيم بناء للسلطة ، وتوزيع السلطة على القائمين بها وبشكل منظم بحيث يكون هناك تحديد واضح لدور ووظفية القائم بالسلطة من حيث الحق والواجب .
6- الأهداف والوسائل المتمثلة بتقسيم العمل والمعايير الإجتماعية ، وإن ما يميز التنظيم الاجتماعي أن يكون أعضاؤه على درجـة عالية من الاتفاق في نظرتهم للأهداف والوسائل المتبعة .
وتشترك هذه الخصائص جميعها لتشكل طبقات اجتماعية متباينة ، ومستويات مهنية مختلفة تعبر كل منها عن مصالح مشتركة واهتمامات خاصة تختلف ، إن لم تتعارض مع المصالح والإهتمامات التي تعبر عنها الطبقات الإجتماعية والمستويات المهنية الأخرى ، مما يؤثر على بناء التنظيم ووظائفه . ووفق هذا التصور نستطيع أن نجد أمثلة كثيرة على التنظيمات ، فهي تشمل الوحدات الإجتماعية التي تتوافر فيها كل الخصائص السابقة أو يعضاً منها مثل المصانع ، والهيئات الحكومية التي تمارس الخدمة المدنية والجيش ، والمستشفيات ، والجامعات والبنوك ، والسجون ، والنقابات ... الخ ، فكل هذه الوحدات الإجتماعية أنشئت لكي تحقق أهدافا محددة ، وتستعين بعدد من التدابير والإجراءات التي تضمن بها تحقيق أهدافها .