من طرف سامح عسكر في الأربعاء أكتوبر 12, 2011 8:12 pm
الجنيالوجيا: استراتيجية نقدية ارتبطت بالفلسفة النتشوية بل إنها هي المنهج الذي تبناه "نيتشه" في مساءلة المفاهيم وقلبها ، بتعبير آخر إن الجنيالوجيا Génealogie هي القلب الجدري للقيم ، فنتشه عندما كان يعالج مفهوما معينا كان يرجعه إلى جدوره وهنا تكون الجنيالوجيا مرادفة شيئا ما للإيتيمولوجيا Etymologieأي البحث الإشتقاقي للمفهوم ولكن الجنيالوجيا لاتقف عند هذا الحد أي أنها ليست فقط عودة بالمفاهيم إلى أصولها التي صدرت عنه وإنما هي عودة من أجل القلب ، إذ أن السنونو و الأفكار والأوهام والأيديولوجيات والطوباويات المتعاقبة تطمس المعالم الأولى للمفهوم وتكسبه دلالات جديدة و معان لم تكن تتوفر فيه من قبل .
ولقد انتبه الفيلسوف المعظم Nietzsche إلى هذه المسالة بنباهة وتفطن وذكاء ومن ثم أضحت فلسفته كله فلسفة جنيالوجية تفضح طابع البداهة الذي يغلف معطيات الوقائع ، وتعود بنا إلى أصل تشكل وتبلور المفهوم بغية قلبه وعكسه واجتثاث أشكال الميتافيزيقا منه حتى نرى له هيأة أخرى مغايرة لما درجت عليه الألسن... ومن ثم فالنقد الجنيالوجي هو نقد تفكيكي وسيميولوجي في الآن معا و غني عن البيان أن الجنيالوجيا مصطلح اغريقي يتكون من genos التي تعني الأصل والأرومة و logos التي تعني علم أو دراسة أو مبحث ...
ولقد طبق نتشه مثلا هذا النوع من النقد على مفهوم " الحقيقة" معتبرا إياها وهما في قوله : "إن الحقائق أوهام نسينا أنها كذلك". هكذا واستنادا إلى هذا الطرح و اعتمادا على هذا الأساس قام نيتشه مرة أخرى بفضح الحضارة الغربية(*) ذاتها مطبقا عليها منهجه الجنيالوجي (** ) حيث اعتبرها حضارة حاقدة وأن الفلسفة تسهم بذلك في هذا المضمار إذ أنها ليست سوى محاولة بعث للسقراطية socratisme، فسقراط (راعي الجردان) كما كان يحلو لنتشه أن يناديه ليس في الواقع إلا إنسانا مريضا حاقدا على الحياة قام بعملية تدمير ممنهجة للفلسفة ومن ثم يقوم "نيتشه" بعملية عكس هذا المعطى معتبرا أن الفلسفة الحقيقية هي الفلسفة ماقبل السقراطية ومن ثم يصرخ نيتشه بضرورة إرجاع الفلسفة إلى سابق عهدها أي إلى ماقبل سقراط حيث تكون الفلسفة تحتفي يالحياة وتمجدها عوض الحقد عليها و النيل منها .