السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
مضامين سورة (الروم) الأخلاقية
أما سورة الروم؛ فهي تحدّثنا عن أهم عبادة، والتي أشار إليها الحديث المروي عن زرارة، عن أحدهما (الإمام محمد الباقر أو الإمام جعفر الصادق) عليهما السلام، قال: "ما عُبد الله عز وجلّ بشيء مثل البداء".([51]) فهي تعني أنّ الله إذا أراد أن ينظر إليك ويهبك مّما لا تتصوّره فانه سبحانه يفعل ذلك بإرادته ومشيئته وليس مهمّاً من تكون أنت، وعندها قد تتحوّل الى شخصية خيّرة طيبة مؤمنة متقية مخلصة كشخصية الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، أو شخصية سلمان وعمّار بن ياسر وغيرهما من الصالحين، وليس ذلك على الله بعزيز إن أنت عقدتَ العزم وخضت الغمار في رحاب الله وقدسه، فأعطيت ليلة القدر وكلّ الليالي والأيام حق الله فيها، وسلكت فيها سبل النجاة.
ولا يغيب عنا إن الشيطان قد يكرّس اليأس في قلب الإنسان بحيث يجعله لا يفكر في التوبة ولا يمنّي نفسه بها، وبالتالي يمضي في غيّه وضلاله وظلمه لنفسه وللناس، فيرتكب ما يرتكبه من المحرّمات والفجور والخطايا.
فعلى الواحد منّا – إن هو ارتكب ظلماً أو إثماً – أن لا ييأس من روح الله فيحسب نفسه من أهل النار وأنّه لا مفرّ له منها، وأنّ الله لن يتوب عليه، بل على العكس من ذلك فإنّ الله يحبّ العبد حين يلح عليه بالتوبة، فلابدّ أن تحلّ ساعة خشوع وخضوع وانكسار ورقة في القلب متناهية فيسيل على أثرها الدمع مختلطاً بنغم النحيب الذي تغرفه أوتار القلب النادم الذليل المنكسر الخاشع التائب فتطفئ ألسنة النيران في وديان السعير:
"ولأصرخنّ إليك صراخ المستصرخين، ولأبكينّ عليك بكاء الفاقدين، ولأنادينك أين كنت يا وليّ المؤمنين، يا غاية آمال العارفين، يا غياث المستغيثين ". ( 52)
قصّة طريفة في هذا المجال
ولا بأس هنا أن أذكر واقعة حدثت لي أثناء الحج؛ إذ كان في سفرنا الكثير من الناس الذين كانوا على تباين كبير في تقواهم وإيمانهم، ومن بينهم كان هناك رجل جاء حاجاً وهو لا يفكّر في هذه الفريضة، ولا يستشعر في وجدانه أحاسيسها ومشاعرها، فكان يهتم بما يشبع بطنه وما يجعله يؤمّن نوماً ريحاً، وماذا سيشتري من الهدايا، وكأنه جاء لتحقيق هذه الأغراض المادّية فحسب، فكنت أنصحه وأنبّهه بقدسيّة الحج وقدسيّة مناسكه وأماكنه كعرفات ومنى والمشعر وما إلى ذلك، فكان لا يصغي لي ولا يهتم بتذكيري حتى بلغت مناسك الحج الطواف، فقد انتهى الطواف وكان قلبه ما يزال قاسياً لا يلين، أي أنّه كان يطوف ويردّد التلبية ولكنّه منصرف في فكره عن ذلك كلّه فلا يشعر بحلاوة الطواف ولذّته. وعند انتهاء طواف الوداع المسمّى بطواف النساء وفي اللحظات الأخيرة لاحظت ذلك الرجل اللاأباليّ قد تغيّر حاله، فراح يبكي وينتحب انتحاباً شديداً، فاجتمع الناس حوله، فحاولت أن أهدّئه ولكني لم استطع فبقي على حاله هذه فترة طويلة حتّى هدأ شيئاً فشيئاً، ففكرت في نفسي قائلاً: يا سبحانه الله! لقد كان لحظة صعقة بنور الله أوقظت روحه وضميره.
وهكذا الحال بالنسبة لنا، فيجب علينا أن لا نيأس من روح الله، علّ مثل تلك الصعقة الربانية أن تدركنا فتوقظ فينا الضمير والروح، وعسى أن تهبط علينا وترسل موجة من أمواج النور الالهيّ فننقلب برحمة من الله على أوضاعنا التي كنا عليها بالأمس، ولا يكون ذلك إلاّ بالإخلاص وعقد العزم على ولوج طريق التوبة، فتبدأ – مثلاً – من هذه البصيرة، التي قالها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "أنت كما أحبُّ فاجعلني كما تحبُّ". ([53])
فحاول أن توصل نفسك الى مرحلة العزيمة والثقة في تغيير ما في نفسك وكما يريد الله منك وهو معينك لا محالة:
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت/69
اسم الكتاب: ليلة القدر معراج الصالحين
المؤلف: سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي
اسألكم الدعاء