عرفت المجتمعات البشرية تطورات متلاحقة على كل المستويات ، أثرت بشكل واضح على التركيبة الطبقية للسكان ، و على نوعية أنماط عيشها و أساليب تفكيرها و تفاعلاتها مع محيطها الإنساني و المجتمعي ، فاستفحلت ظواهر و مشكلات خطيرة ، رهنت مستقبل الشعوب و الأمم ، وربطته بمدى قدرتها على مواجهتها و التصدي لها ، و إيجاد الحلول الناجعة لتجاوزها .
و تتجلى أحد أبرز هذه الظواهر فيما يسمى بالاستبعاد الاجتماعي ، الذي يعتبر آفة من آفات العصر بامتياز ، يلخص كل أشكال و أساليب الميز و التفرقة بين الناس ، سواء من حيث العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الانتماء الطبقي .
و المغرب بلدنا العربي الإسلامي المنتمي لدول العالم الثالث ، لم يكن أبداً ليسلم من مثل هذه الآفات المهددة لكيانه ووجوده.
إن ظاهرة الاستبعاد الاجتماعي ٬تولدت نتيجة عدة عوامل أفرزتها معطيات العصر المعقدة ، ونذكر منها على وجه الخصوص مايلي :
1- العوامل الثقافية و الدينية :
أ- دور الاختلافات الدينية في استفحال ظاهرة الاستبعاد الاجتماعي :
رغم أن الأغلبية الساحقة من المغاربة ٬ عرباً و أمازيغ سنيون ٬ يدينون بمذهب الإمام مالك منذ القرون الأولى للإسلام ٬ تمكنوا من اتقاء النزاعات و الصراعات الدينية٬ كما هو معروف في عدة مذاهب ساد بينها الاختلاف و التباين في ممارسة الشعائر الدينية ٬ وكذا في اجتهادات الفقهاء و العلماء .
مما أفرز مجموعات و جماعات تتبادل تهم التكفير ٬ و الخروج عن الدين الصحيح . وهذا على سبيل المثال حال الشيعة و السنة في العراق ٬ كمذهبين متناقضين . ونفس الشيء يقال عن الكاتوليك و البروتستنت ٬ كاتجاهين دينيين متناحرين في المسيحية .
هذا إلى جانب تيارات علمانية ليبرالية أو يسارية ٬ تندد بما تسميه الاستغلال السياسي للدين ٬ و تطالب بحرية المعتقد ٬ و نبذ التعصب الذي يطاله . فكل هذه العوامل تجعل عدة مذاهب اليوم أمام نقاشات و اختلافات قد تتطور و تصل إلى مستويات متقدمة من الإستبعاد و التنافر الاجتماعي ٬ إذا لم تتحرك الجهات المعنية .
ب- تنوع اللغات و الثقافات :
إن التنوع الثقافي داخل المجتمع المغربي ، و تشبث كل فرد بثقافته و انغلاقه عليها ، و امتناعه عن التعامل و التفاعل مع ثقافات أخرى ، تجعله يفر من كل ماهو خارج و غريب عن ثقافته . لأنه مؤمن بأن ثقافته هي التي لها الحق في السيادة على الجميع ، و هذا ما يؤدي إلى السقوط في متاهات الإستبعاد الاجتماعي ، و هو الأمر الحاصل عن بعض التيارات المتعصبة للغة ، سواء العربية أو الأمازيغية أو الحسانية الصحراوية ، و كذا بعض المدافعين عن الفرنسية و الإسبانية أي لغة المستعمر .
2-العوامل السياسية و الاقتصادية :
إن الهوة الكبيرة بين الطبقات و الفئات الغنية ،المتوفرة على كل أسباب و وسائل الرفاهية ، و بين نظيراتها الفقيرة التي تعيش كل ألوان الاستغلال و القهر و المعاناة ، تفتح الباب على مصراعيه لاستفحال ظاهرة الاستبعاد الاجتماعي بالمغرب .
•فيلات و شقق فاخرة مجهزة ، مقابل أحياء صفيحية، تنعدم فيها أبسط شروط الحياة.
• ساعات عمل طويلة و شاقة ، بمصانع أشبه بأسواق النخاسة أي العبيد.
• الحاجة إلى إشباع الرغبات و المتطلبات الاقتصادية ، التي يعجز الفرد عن تحقيقها داخل مجتمعه .
• تدني مستوى المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية ، وما تشكله من عقد نفسية لدى الشخص ، قد تكون أحد العوامل المهمة للوقوع في مستنقعات آفة الاستبعاد .
• مظاهرات و احتجاجات يومية ، مطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي العام .
أوضاع وخدمات اجتماعية منعدمة ومتردية في أحسن الحالات ، مقابل مهرجانات البذخ و تبذير الأموال العمومية
• جهلة و أميون يتربعون على كراسي المسؤولية ، في حين يقمع خيرة أبناء هذا الوطن من الدكاترة و الشباب العاطلين عن العمل …
هذه فقط بعض المظاهر القليلة للاستبعاد الاجتماعي في المغرب .