يلجأ بعض الكتاب، ولا سيما الأدباء منهم، إلى استخدام ضروب مجازية في التعبير عن أفكارهم ورؤاهم في ما يكتبون، ليس في الشعر والقصة حسب، بل في فنون المقالة والعمود والسرد. وثمة نوع من الكتابة غير بعيد عن المجاز، يعتمد فيه كاتبه على الاشتغال على مخيلة القارئ، أو ما نسميه اليوم بمخالفة (أفق توقع) القارئ ليحقق لعبة فنية نسميها بـ (المفارقة).
إن الكتابة ضمن مخالفة أفق توقعنا، يضفي على ما نكتبه ضرباً من الإدهاش، محدثاً ما يشبه الصدمة غير المتوقعة أو المفاجأة السارة، في العثور على ما هو غير متوقع، كما في النصوص التي نعرض لها هنا:
قيل: التمثيل هو الكذب الوحيد الذي يصفّق الناس لأبطاله. فهذا النص يكسر عرفاً ألفه الناس، هو ذم الكذب وكراهيته. لكن الكاتب يأتي هنا ليقنعنا بأننا قد نصفق لهذا الكذب أحياناً، معتمداً على الربط بين الكذب والتخييل في فن التمثيل، وهو احتيال جميل.
وقيل: الخبرة هي المشط الذي تعطيك إياه الحياة عندما تكون قد فقدت شعرك. في هذا النص براعة في التعبير عن الخبرة التي لا تأتي إلا معتّقة كالمشط الذي يمكنك به تنظيم الأمور وتسريحها، لكن ما يؤسف له أنها لا تأتي إلا عقب احتراق العمر وتساقط الشعر، لتجعلنا نتساءل عن جدوى هذا المشط بعد أن فقدنا أعز الأشياء، مثلما قد يتساءل بعضنا ما نفع معرفة الصواب من جراء التجربة، بعد أن مضى بنا قطار العمر. وهي مفارقة مبعثها ذلك التشبيه وتلك المقابلة التي لجأ إليها الكاتب.
وقيل: أشدّ الناس قلقاً في السجن هو المأمور. ولعل هذا النص ينطوي على قدر أكبر من المفارقة. فلو سألنا أياً منا عن أكثر الناس قلقاً، لما خطر في باله غير السجناء الذين فقدوا أعز ما يملكون، أعني (الحرية) التي يتشوقون إليها صباح مساء، ويحسدون رجال الشرطة ومأمور السجن عليها. لكن الكاتب المبدع هو من يكشف لنا عن الوجه الآخر الغائب، حين يُعلمنا بأن مسؤولية السجّان الكبرى عن هؤلاء المساجين تجعله أكثر قلقاً من السجناء أنفسهم أحياناً، خلافاً لما يبدو عليه ظاهر الحياة. وهي مفارقة لا نشعر بها أو نكتشفها إلا على يدي كاتب حقيقي، وتلك ميزة الإبداع وفضيلة الكتابة المفارقة وغير التقليدية.
حكمة
قال الشاعر:
ومن نكدِ الدنيا على الحرِّ أن يَرى عدواً لهُ ما من صداقتهِ بدُّ
فوائد لغوية
يخطئ بعضنا حين يقول: الفُخّار( بضم الفاء وتشديد الخاء ) وصفاً للإناء المصنوع من الطين المحروق، والصواب أن يُقال: الفَخّار ( بفتح الفاء وتشديد الخاء ).
ويلفظ بعضنا الحيز أو المكان الذي يقيم فيه، فيقول: قطّاع (بفتح القاف وتشديد الطاء). والصواب هو أن نقول قِطَاع (بكسر القاف وفتح الطاء المخففة)، وذلك للدلالة على الجزء المقتطعَ من الشيء، أو للدلالة على ذلك الجزء من الحي أو المكان الذي نقيم فيه.
ونلفظ اسم الشاعر العباسي المعروف (أبو نواس) من دون همز، مع ضم النون، فلا نقول (نؤاس) بالهمز.