يشير مفهوم المفارقة إلى الأسلوب البلاغي الذي يكون فيه المعنى الخفي في تضاد حار مع المعنى الظاهري. وكثيراً ما تحتاج المفارقة وخاصة مفارقة الموقف أوالسياق، إلى كدّ ذهن، وتأمل عميق للوصول إلى التعارض، وكشف دلالات التعارض بين المعنى الظاهر والمعنى الخفي الغائص في أعماق النص وفضاءاته البعيدة.
كما أن للمفارقة وظيفة مهمة في الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص، فهي في الشعر تتجاوز الفطنة وشد الانتباه، إلى خلق التوتر الدلالي في القصيدة عبر التضاد في الأشياء، الذي قد لا يأتي فقط من خلال الكلمات المثيرة والمروعة في السياق، بل عبر خلق الإمكانيات البارعة في توظيف مفردات اللغة العادية واليومية داخل
وكثيراً ما تعد المفارقة على أنها لغة العقل والفطنة، وليست لغة الروح والخيال والشعر، وأنها عمل فكري وليس عاطفياً أوأثراً شعرياً خلاقا. إلا أن المتتبع للمفارقة وأنماطها البلاغية في الآثار الشعرية العظيمة، يجدها أنها لغته الحتمية وسلاح الشعراء الكبار في سجل الشعرية الكونية. فهي التي تحقق أعلى درجات التوتر في القصيدة، وبها نبلغ الحقيقة ونصل إلى لذة النص ودهشته. لذا يقول الناقد كلينسثا بروكس "أن الحقيقة التي يسعى الشاعر إلى كشفها لا تأتي إلا عبر أسلوب المفارقة" .