شكلّت العلاقة بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والعلوم موضوع جدل على نطاق واسع. يُذكر أنّ غالبًا ما كانت الكنيسة أحد الرعاة الرئيسيين للعلوم في الحضارة الغربية، فقد أسست الكنيسة شبكة واسعة من المدارس والجامعات والمستشفيات. في حين يرى عدد من المؤرخين والعلماء ان المسيحية كان لها دور سلبي وعائق في تطوير مسيرة العلوم، ولعل قضية محاكمة غاليليو غاليلي أبرز القضايا الجدلية في علاقة المسيحية مع العلم، بينما يذهب عدد آخر من المؤرخين والعلماء إلى كون المسيحية عامل ايجابي في تطوير العلوم[1] عن طريق رعايتها لمختلف أنواع العلوم،[2] فقد كانت أيضًا المسؤول الرئيسي عن نشوء بعضها كعلم الوراثة، وكون قضية غاليليو غاليلي هي الشاذ وليس القاعدة في علاقة الكنيسة مع العلوم.[3]
على مر العصور ساهم كل من رجال الدين والعلمانيين الكاثوليك على حد سواء مساهمات كبيرة في تطوير العلوم والرياضيات والطب من العصور الوسطى إلى اليوم. وتشمل القائمة كوكبة من العلماء ممّن غيروّا معالم العلوم منهم على سبيل المثال لا الحصر غاليليو غاليلي، رينيه ديكارت، نيكولاس كوبرنيكوس، لويس باستور، بليز باسكال، أندريه ماري أمبير، جريجور مندل، شارل أوغستان دي كولوم، بيير دي فيرما، أنطوان لافوازييه، مارين ميرسين، أليساندرو فولتا، أوغستين لوي كوشي، بيير دوهيم، بيير جاسندي وجورجيوس أغريكولا وغيرهم.
خلال العصور الوسطى تشابك كل من العلم واللاهوت إلى حد كبير، أمّا في العصر الحديث، مع تطوّر العلوم التجريبية أصبح يتظر إلى الأديان وعلم اللاهوت بوصفها تنتمي إلى مختلف المجالات (ومتضاربة في بعض الأحيان).
خلال القرون الوسطى أعطت الكنيسة قوة دافعة في مجال التعليم، فقد ظهرت مدارس قرب الكنائس والكتدرائيات، ودعيت بمدارس الكاتدرائية. وكانت هذه المداراس مراكز للتعليم المتقدم، وبعض من هذه المدارس أصبحت في نهاية المطاف الجامعات الأولى في الغرب. وأُعتبرت مدرسة كاتدرائية شارتر أكثر المدارس شهرةً وتأثيرًا. وقد دعمت الكنيسة الكاثوليكية البحث العلمي حيث شكلت الأديرة مراكز حضارية لحفظ الفكر والعلوم القديمة،[1] وبنت الكنيسة الجامعات الأولى في العالم الغربي،[4] اخذت معظم البحوث العلمية مكانة في الجامعات المسيحية وعمل بها أيضًا أعضاء من الجماعات الدينية،[1] وكتب المؤرخ لورانس برينسيبي «من الواضح في السجل التاريخي أنّ الكنيسة الكاثوليكية كانت على الأرجح أكبر وأحد أهم راعاة العلم في التاريخ، أن العديد من المساهمين في الثورة العلمية كانوا من الكاثوليك، وكانت المؤسسات الكاثوليكية العديدة من المؤسسات ذات التأثيرات الرئيسية على صعود العلم الحديث .[5]» مجال علم الفلك هو مثال على التزام الكنيسة في مجال العلوم. المؤرخ ج.ل هيلبرون في كتابه الشمس في الكنيسة: الكاتدرائيات والمراصد الشمسية كتب «الكنيسة الكاثوليكية أعطت المزيد من المساعدات المالية والدعم لدراسة علم الفلك لأكثر من ستة قرون، بدءًا من استعادة المعارف القديمة خلال العصور الوسطى المتأخرة وفي عصر التنوير، ربما أكثر من غيرها من المؤسسات.[6]» كما أن العلاقة بين المسيحية والطب تعود إلى عصور المسيحية المبكرة إذ كان للمفاهيم المسيحية من الرعاية ومساعدة المرضى دور في تطوير الأخلاق الطبية.[7] في العصر الحديث تعدّ الكنيسة الكاثوليكية أكبر مزود غير حكومي للرعاية الصحية في العالم. والعديد من المؤسسات الكاثوليكية كانت مسؤولة عن تأسيس وتشغيل شبكات واسعة من المستشفيات في مختلف أنحاء العالم والتي لها دور في تقّدم الأبحاث الطبية.[8]

مدرسة كاتدرائية شارتر، كان لها دور هام في حفظ الفكر القديم ونشر العلوم في العالم الغربي.


وما تزال الكنيسة الكاثوليكية حتى اليوم تساهم في تطوير العلوم، فمثلًا ترعى الكنيسة الكاثوليكية العلوم عن طريق الأكاديمية البابوية للعلوم والتي تأسست عام 1936 بطلب من البابا بيوس الحادي عشر، لتعزيز تقدم العلوم خصوصًا الرياضيات الفيزيائية والرياضيات الطبيعية ودراسة المشاكل المعرفية ذات الصلة؛ وقد خرجت أسماء هامة في علم الفيزياء في القرن العشرين أمثال الحائزين على جائزة نوبل في الفيزياء ستيفن هوكينج وتشارلز هارد تاون.[9]
شكلت قضية علاقة العلم والدين، موضوع شائك في تاريخ العلوم، وظهر عدد من المؤرخين والباحثين ممن وجدوا أن علاقة الدين بالعلم هي علاقة صراع، وذلك استنادًا إلى قضايا تاريخية خلافية مثل قضية غاليليو، وشكلت أطروحة صراع العلم والدين في القرن التاسع عشر النهج والرؤية الشعبية في كتابة تاريخ العلوم،[10][11][12] في أواخر القرن العشرين ومع إعادة تقييم هذه الأطروحة بشكل علمي حديث، فقدت أطروحة صراع العلم والدين مصداقيتها في الوسط الأكاديمي،[13] لكن وعلى الرغم من ذلك فهي لا تزال صورة علاقة العلم والدين كصراع في بين عامة الناس.[14]
غالبًا ما يتم توجيه الانتقادات في هذا الخصوص إلى الكنيسة الكاثوليكية، إذ يرى عدد من المؤرخين والفلاسفة ان الكنيسة الكاثوليكية دخلت في صراع مع العلم، وأنها ضيقت على العلماء والبحوث العلمية، ولعل أبرز قضية في صراع الكنيسة والعلم هي قضية محاكمة جاليليو جاليلي ونظرية التطور، وكان كل من العالم جون وليام دابر والمفكر البروتستانتي أندرو ديكسون وايت الدعاة الأكثر تأثيرًا في أطروحة الصراع بين الدين والعلم، ودعي داربر سنة 1870 لكتابة كتاب عن تاريخ صراع الدين والعلم، في كتابه أنتقد داربر العصمة البابوية ووجدها الفكرة الأكثر معاداة للفكر في التقليد الكاثوليكي،[15] واعتبر الكنيسة الكاثوليكية مؤسسة تحارب العلم والفكر، كذلك وبحسبه فالبروتستانتية كانت عكس الكنيسة الكاثوليكية، إذ لم تدخل البروتستانتية في صراع مع العلوم. بالمقال رفض المؤرخ في الطب جيمس جوزيف والش، هذه الأطروحة واعتبرها غير تاريخية: «تأسست قصة صراع البابوية مع العلم وكونها مؤسسة تحارب الفكر، على مفاهيم خاطئة تمامًا. بل أكثر من ذلك هي وهمية تمامًا. الكثير منها يعود إلى المبالغة في أهمية قضية غاليليو».[16