حروب الفضاء(*)
تحوُّل جديد في الاستراتيجيَّة العسكريّة الأمريكيّة وأعمال
استفزازيّة صينيّة تهدد بإطلاق سباق جديد للتسَلّح في الفضاء.
لكن هل ثمة مصلحة وطنيّة لأي كان في وَضْع أسلحة في الفضاء؟
<Th.هِتْشنْز>
مفاهيم مفتاحية
على الرغم مما يبدو من مزايا عسكرية واضحة يتيحها الفضاء الخارجي، فإن الدولَ قاومتْ إلى الآن وَضْعَ أسلحة في مدارات حول الأرض. لكن ربما كانت تلك المقاومة الاستراتيجية آخذة بالتغير.
يبدو أن المنهاج الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2006 لسياستها الوطنية في أمور الفضاء قد فتح الطريق إلى مزيد من عَسْكرة الفضاء. فَبُعَيْدَ تبني ذلك المنهاج بزمن قصير اختبرت الصين قذيفة صاروخية أطْلقَتْ من قاعدة أرضيّة.
لكن يمكن أن تتسبب أسْلَحَة الفضاء في إحْداثَ سباق تسلح دولي باهظ التكاليف. كما أن السواتلَ وأسلحةَ الفضاء سوف تبقى دائما عرضة للمهاجَمة مهما اعتُمد من دفاعات.
يمكن للعمليات الحربية في الفضاء، وأيضا للاختبارات «الحية» للأسلحة في الفضاء، أن تخَلّفَ وراءها أنقاضا فضائية كثيرة جدا، بحيث يغدو مدار الأرض غيرَ صالح لملاحة سواتل مدنية
ولا لمرْكَبات مأهولة.
محررو ساينتفيك أمريكان
في الحرب لا تَشن هجوما صاعدا وجها لوَجه على عدو يحتل في المعركة أرضا مرتفعة. لا تتشابك مع العدو عندما يهجم نازلا من أرض مرتفعة. استدرجه إلى أرض منبسطة لإدارة المعركة.
ـ <S.تزو> استراتيجي حربي صيني، مؤلف كتاب «فنون الحرب» سنة 500 ق.م.
منذ القدم، تتضمن عقيدة القتال الحربي المتعارَفة لدى الجيوش نصا يقول: «استول على أرض مرتفعة للمعركة وتمسّك بها.» أما اليوم، وقد اقتحم البشر ومعداتهم الفضاءَ الخارجي، فلن يكون غريبا أن يَعْتَبر الضباط العسكريون، في جميع أنحاء العالم، مدارا حول كوكب الأرض المفتاحَ للصراع الحربي الحديث. وعلى الرغم من عدم وجود معاهدات أو قوانين دوليّة تمنع صراحة وضع منظومات غير نوويّة أو أسلحة ضد السواتل في مدارات حول الأرض، فقد ابتُكر حديثا معيار منَظّم يحظر وضْع أسلحة في الفضاء؛ إذ تحاشتّ أغلب الدول استعمال مثل هذه الأسلحة خشية إمكان الإخلال باستقرار توازن القوى العالمي نتيجة سباق تسلح في الفضاء باهظ الثمن.
أما الآن فإن ذلك الإجماع يواجه خطر التفكك؛ إذ تبنتْ إدارة الرئيس الأمريكي <بوش> في الشهر 10/2006 بكلمات يكتنفها شيء من الغموض منهاجا جديدا لسياسة وطنيّة في أمور الفضاء تصر فيه على حق الولايات المتحدة الأمريكيّة في إدارة «التحكم في الفضاء» وترفض فيه «مساعي كيانات شرعيّة حديثة أو مقيدات أخرى هدفها منع أو تحديد حرية الولايات المتحدة الأمريكيّة في الوصول إلى الفضاء أو في استعماله.» وبعد ثلاثة أشهر من صدور هدا المنهاج صَدَمَتْ جمهورية الصين الشعبيّة العالمَ بإسقاط أحد سواتلها المسنة(1) من نوع مخصص لدراسة المناخ، وهو إجراء أدى إلى أن ينتشر في المدار حطام خطر وإلى تقديم احتجاجات دوليّة، إضافة إلى قَدْر كبير من الغضب في أوساطَ عسكريّة وسياسيّة أمريكيّة. كان ذلك الإطلاق أولَ اختبار ـ خلال أكثرَ من عقدين ـ لسلاح مكرّس ضد السواتل، وقد جعل ذلك الصينَ الدولةََ الثالثةَ بَعد الولايات المتحدة الأمريكيّة(2) والاتحاد الروسي، اللتين اختبرتا تقَانة مشابهة. تساءل كثير من المراقبين: هل سيصبح هذا الاختبار أولَ طلقة في عصر جديد ينبثق فيه صراع حربي في الفضاء؟
أصَرّ النقّاد على أنه ليس من الواضح مطلقا أن أمنَ أي دولة سَيعَزَّز بتطوير وسائلَ لشنّ حرب في الفضاء. ومع هذا فإن السواتلَ، وحتى الأسلحة المداريّة، تكون بطبيعتها سهلةَ للرصد نسبيا وسهلةَ الاقتفاء. وعلى الأغلب، سوف تبقى إلى حد بعيد، عرضة للإسقاط بمهاجمتها مهما اتخذَ من إجراءات دفاعيّة؛ إضافة إلى هذا، فمن المؤكد أن تطوير منظومات ضد السواتل سيقود إلى سباق تسلح ضخم التكاليف، وربما سيكون السباق جامحا غيرَ مسَيْطَر عليه حين تستنتج دول أخرى أن عليها أيضا خوض المنافسة. وحتى مجرد إجراء اختبارات للتقانة التي يُحْتاج إليها في معارك فضائية ـ فما بالك بمعركة حقيقية ـ يمكن أن تترك فيها كميات مذهلة من حطام سيستمر بالدوران حول الأرض. وباقتراب مثل هذا الحطام نحو السواتل ومَركَبات الفضاء المأهولة المتحركة بسُرَع تقارب بضعة أميال في الثانية الواحدة، سيهدد الحطام الاتصالات اللاسلكية المؤسسة على السواتل، كما سيهدد عمليات التنبؤات المناخية والملاحة الدقيقة، وحتى الأوامر والسيطرة الحربية، وربما سيُرْجع اقتصاد العالَم إلى ما كان عليه في خمسينات القرن الماضي.