ولنا بلادٌ لا حُدُودَ لها, كفكرتنا عن
المجهول, ضيّقَةٌ وواسِعَةٌ. بلادٌ...
حين نمشي في خريطتها تضيقُ بنا,
وتأخذنا إلى نَفَقٍ رماديّ, فنصرخ
في متاهتها: وما زلنا نحبُّك. حُبُّنا...
مَرَضٌ وراثيٌّ. بلادٌ......حين
تنبذُنا إلى المجهول... تكبرُ. يكبرُ
الصفصافُ والأوصافُ. يكبرُ عُشْبُها
وجبالُها الزرقاء. تَتّسعُ البحيرةُ في
شمال الروح. ترتفعُ السنابلُ في جنوب
الروح. تلمعُ حبّةُ الليمون قنديلاً
على ليل المُهاجِرِ. تسطعُ الجغرافيا
كُتُباً مُقَدَّسَةً. وسلسلةُ التلال
تصير معراجاً, إلى الأَعلى... إلى الأعلى.
((لو اُنّيَ طائرٌ لحرقتُ أَجنحتي)) يقول
لنفسه المنفيُّ. رائحة الخريف تصيرُ
صورةَ ما أحبُّ... تسرَّبَ المطرُ
الخفيفُ إلى جفاف القلب, فانفتح الخيالُ
على مصادِرِهِ, وصار هو المكانَ, هو
الحقيقيَّ الوحيدَ. وكُلُّ شيء في
البعيد يعود ريفيّاً بدائيّاً, كأنَّ الأرضَ
ما زالت تكوِّن نفسها للقاء آدم، نازلاً
للطابق الأرضيِّ من فردوسه. فأقول:
تلك بلادنا حُبْلى بنا... فمتى وُلدْنا؟
هل تزوَّج آدمُ اُمرأتين؟ أَم أَنَّا
سَنُولَدُ مرةً أخرى
لكي ننسى الخطيئةْ؟
للشاعر محمود درويش