يستخدم البعض منا مصطلحات اليمين و اليسار و الوسط دون فهم متكامل لها. هذه المقالة هي شرح تبسيطي للفكرة.
في عام ١٧٨٩ اجتمع اعضاء المجلس الوطني الفرنسي لمنلقشة مستقبل البلاد اثناء الثورة الفرنسية. و الذي حدث انه مع مرور الوقت جلس مؤيدي بقاء الملك بكامل سلطاته (المحافظين) على يمين رئيس المجلس، بينما جلس مؤيدو تقليص سلطات الملك على يساره (التقدميين). و من هنا بدأت فكرة ان كل يريد المحافظة على تقاليد المجتمع المعروفة هو محافظ/يميني، و كل من يريد ان يعطي قدرا اكبر من الحرية للمجتمع من الناحية الاجتماعية و السياسية هو يساري/تقدمي.
و بعد فترة ارتبط اليسار التقدمي بالفكر الاشتراكي الذي يحث على تدخل الدولة في الاقتصاد و اعادة توزيه الثروات و الدخل و تقليص (او الغاء) مساحة الملكية الخاصة لعوامل الانتاج (مثل الاراضي و الموارد الاساسية كالطاقة) من اجل تحقيق مفهوم صارم للعدالة الاجتماعية. اما اليمين فقد (في اغلب الدول) ارتبط بالحرية الاقتصادية و حرية الملكية و العمل التجاري و الضرائب الاقل، حيث رؤي في ذلك انسب طريقة لتحقيق النمو السريع للثروات في المجتمع و توزيعها بصورة غير تعسفية. و في نهاية المطاف ظهرت فكرة الطيف السياسي من اليسار الى اليمين، او العكس، يتكون بالاساس من اقصى اليسار، يسار-الوسط، الوسط، يمين-الوسط، و اقصى اليمين، و توجد في قمة اليسار الشيوعية و في قمة اليمين الفاشية (فلسفة تركيز السلطات في يد الحاكم و الحكومة و الحكم بيد حديدية)، و كلها مصطلحات سنشرحها فيما بعد في مقالات اخرى.
المهم ان الآن اصبح بعد ذلك هناك شيئان: هناك يمين و يسار سياسي، و يمين و يسار اقتصادي. من الناحية السياسية، فكلما كنت مع تقليص الحريات و الحفاظ على القيم التقليدية للمجتمع و وجود حكومة قوية واسعة السلطات، فأنت يميني. أقل من ذلك قليلا فتصير يمين-وسط، و اقل من ذلك فانت وسطي. اذا اردت توسيع الحريات و توزيع مسئولية الحكم و عدم تركيزها في يد حاكم او حكومة، فانت يسار-وسط او يساري حسب مساحة الحرية التي تطلبها.
من الناحية الاقتصادية، فاذا كنت مع الحرية الاقتصادية الاوسع و الضرائب و الرقابة الاقل، فانت يميني، و اقل من ذلك فتصير يمين-وسط. اذا كنت مع الغاء جميع التفاوتات الاقتصادية و الاجتماعية و سيطرة الدولة على الانتاج و التجارة، فانت اقصى اليسار. اذا كنت تريد دور قوي للدولة لتحقيق هذه الاهداف و لكن مع الحفاظ على السوق الحرة و التجارة ايمانا بدورهم، فانت يسار وسط. اذا كنت تريد الوسطية التامة بين دور الحكومة و دور القطاع الخاص و السوق الحرة، مثل فلسفة بلاير و كلينتون، فانت وسطي، او ما يسمى بالطريق الثالث بين الرأسمالية و الاشتراكية.
و بالتالي، ممكن ان تكون يمينيا اجتماعيا و يساريا اقتصاديا في ذات الوقت، او العكس، او يساريا اقتصاديا و اجتماعيا في آن واحد، و غيرها من التراكيب. و لحل هذه المشكلة، فهناك طرق مثل لوحة نولان و هي شكل مربع يسمح بشرح و عرض هذه التراكيب و هي اكثر دقة، و لكنها اقل استخداما.
و عندما يتحدث احد في الاعلام، لا تُستخدم هذه المصطلحات بالضرورة بمعناها الحرفي. فاذا قال احدا انه يساري، فلا يعني ذلك بالضرورة انه شيوعي و لكن انه على يسار الطيف السياسي ا/و الاقتصادي بصفة عامة. و اذا قال احدا في مصر انه يميني فلا يعني ذلك انه بالضرورة مع قيام دولة دينية او مع الحرية القصوى للتجارة، ولكن انه على يمين الطيف السياسي ا/و الاقتصادي بصفة عامة. و الافتراض عادة ان الشخص الذي يدعي نفسه يمينيا او يساريا هو بقصد بالاساس يمين-وسط او يسار-وسط الا لو اوضح غير ذلك. و اخيرا، اذا قال احدا انه يساريا او يمينيا بصورة مطلقة، فعادة يكون الحديث عن فكره الاقتصادي. و اذا كانت مناسبة الحديث هي الحوار عن الحريات و المجتمع، فهو اذا يتحدث سياسيا و اجتماعيا.
و خليك فلوطة…