إشكالية المصطلح
إن كلمة "سيميولوجيا" (Sémiologie) أو "سيميوطيقا" (Sémiotique) مشتقة من الأصل اليوناني (Semeîon) كما يشير إلى ذلك سيوسير في محاضراته. ومن الناحية التركيبية، فهي منحوتة من مفردتين؛ أولاهما (Semeîon) التي تعني (علامة)، وثانيتهما (Logos) التي تفيد معنى (العلم) أو (المعرفة).
ولا ريب في أن قضية المصطلح من القضايا الشائكة التي تُطرح في ميدان السيميائيات، إذ ما زال هذا المصطلح يعاني الفوضى والاضطراب. ويعد المصطلح المُسَمِّي لمفهوم السيميائيات واحدا من النموذجات البارزة على هذا الاضطراب. إذ نُلْفي كثيرا من الدارسين[26] يستعملون مصطلحيِ "السيميوطيقا" و"السيميولوجيا" على سبيل الترادُف. كما أن أغلب الباحثين العرب يستخدمون مصطلحات "السيميوطيقا" و"السيميولوجيا" و"السيميائيات" على أنها أسامٍ دالةُ على معنى واحد.
ومع تنامي الوعي بأهمية المصطلح وتزايد الإحساس بضرورة ضبطه وتوحيده، وجدنا عددا من الباحثين ينتبهون إلى الفروق الموجودة بين المصطلحات التي كان يُظَنُّ أنها من قَبيل الترادف. وبناء على هذا الأمر، التفت بعض الدارسين إلى التمييز بين مصطلحي "السيميولوجيا" و"السيميوطيقا"؛ مثلما فعل جون دوبوا[27]. وعمد آخرون إلى التفريق بين "السيميوطيقا" و"السيميولوجيا" و"السيميائيات"، ومنهم غريماص الذي أفرد - في معجمه الشهير الذي ألفه رفقة جوزيف كورتيس – لكل مصطلح من هذه المصطلحات حيزا خاصا.[28] كما قدم معجم (Hachette) الموسوعي تعاريف وتفاريق واضحة بين هذه المصطلحات؛ بحيث عرف "السيميولوجيا" بأنها "علم يدرس العلامات وأنساقها داخل المجتمع"[29]، وحدد "السيميوطيقا" بأنها "النظرية العامة للعلامات والأنظمة الدلالية اللسانية وغير اللسانية"[30]، وحدد "السيميائيات" (Sémantique) بأنها "دراسة اللغة من زاوية الدلالة"[31]. ويعرِّف الأوكسفورد هذا المصطلح بأنه "دراسة معاني الكلمات"[32]. معنى هذا كله أن السيميولوجيا علم، والسيميوطيقا نظرية، والسيميائيات دراسة أو منهج نقدي.
إن الأوربيين يستعملون مصطلح "السيميولوجيا" بتأثيرٍ من دي سوسير الذي وضع هذا المصطلح، واستعمله في محاضراته. يقول: "يمكننا أن نتصور علما يدرس حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية، علما سيشكل فرعا من علم النفس الاجتماعي. ومن ثم, فرعا من علم النفس العام. وسوف نطلق على هذا العلم اسم "سيميولوجيا" (من اللفظة الإغريقية "Semeîon" التي تعني "علامة")"[33]. أما الأمريكيون، فقد استعملوا مصطلح "السيميوطيقا" بتأثير من بيرس الذي وظفه في مختلف كتاباته حول العلامة. إلا أن المصطلحين معا عرفا انتشارا متبادَلاً. ويكفي أن ندرك أن المنتمين إلى الثقافة الفرنسية لم يُقْصوا تماما من دائرة اهتمامهم وكتاباتهم مصطلح "السيميوطيقا"، نظرا إلى انتشاره الواسع في الثقافات الأخرى، وخاصة الأنجلوساكسونية والروسية. كما أن مصطلح "السيميولوجيا" ظل راسخا في فرنسا وفي غيرها من البلدان اللاتينية.[34] ويصر بارث وأتباعُه على استخدام مصطلح "السيميولوجيا"، وينحو نحوَهم أندريه مارتيني (André Martinet) وتلاميذه من الوظيفيين. في حين إن من أطلق عليهم كلود كوكي(J.C. Couquet) اسم "مدرسة باريس" يستعملون مصطلح "السيميوطيقا" لا غيرُ.
وقد حدد غريماص الفارق بين المصطلحين في اللغة الفرنسية، بأنْ جعل "السيميوطيقا" تحيل إلى الفروع؛ أي إلى الجانب العملي والأبحاث المنجَزة حول العلامات اللفظية وغير اللفظية. في حين استعمل "السيميولوجيا" للدلالة على الأصول؛ أي على الإطار النظري العام لعلم العلامات. وفرق آخرون بين المصطلحين على أساس أن "السيميولوجيا" تدرس العلامات غير اللسانية كقانون السير، في حين تدرس "السيميوطيقا" الأنظمة اللسانية كالنص الأدبي... إلخ.
ولكن التفرقة بين "السيميولوجيا" و"السيميوطيقا" لم تعد قائمة، خصوصا بعد أن قررت "الجمعية العالمية للسيميائيات" –التي تأسست عام 1974م- تبني مصطلح "Sémiotique".
ومن الواضح جداً أن الدارسين العرب مختلفون في شأن ترجمة هذا المصطلح إلى العربية. فمنهم من يستعمل مصطلح "السيميائيات"، وهو المصطلح الرائج بين صفوف المغاربيين[35]. ومنهم من يترجم ذلك المصطلح "بالسيميولوجيا"[36]. ومنهم من يترجمه ترجمة حرفية[37]؛ أي بلفظ "سيميوطيقا". ويستعمل بعضهم مصطلح "الرموزية"[38]. ويقترح آخرون –وهم قلة- مصطلح "الأعراضية" مقابلا للمصطلح الأجنبي (Sémiologie)، وذلك كما فعل الباحثان يوسف غازي ومجيد النصر في ترجمتهما لدروس سوسير. ويترجم الأستاذ عبد القادر قنيني مصطلح "Sémiologie" بـ"علم الدلالة"[39]. ويترجمه دارس آخرُ بـ"علم الإشارات".[40] وهناك من يستعمل مصطلح "سيمياء"[41] أو "علم السيمياء"[42]... وقد تطرق عبد السلام المسدّي في إحدى دراساته[43] إلى المصطلحات الموضوعة أو المقترَحة لمفهوم السيميائيات في النقد العربي الحديث، ودرَسها مبيناً الكيفية المتبعة في توليدها. ويُؤْثِر بعض الباحثين لفظ "السيمياء"[44] باعتباره مصطلحا عربيا أصيلا وشائعا في كتب التراث. يقول الدكتور عادل فاخوري : "فالعلم نفسه أي الـSemiotics يترجَم بـ: السيمياء، السيمية، السيميائية، السيميوطيقا، السيميولوجيا والرموزية. والأفضل "السيمياء" لأنها كلمة قديمة متعارَفة على وزن عربي خاص بالدلالة على العلم"[45]. وفي السياق نفسِه، تقول الدكتورة جميلة حيدة: "ولعل ترجمة مصطلح سيميولوجيا أو سيميوطيقا بالسيميائيات أو السيمياء هي الأقرب إلى الصواب لشيوعها في الاستعمالات العربية القديمة"[46].وبناء على هذا كله فضلنا المصطلح السيميائيات وعلى غيره من مصطلحات استعملناه بشكل محوري بهذا البحث المتواضع