الإيكولوجيا :- هي دراسة الأوساط والمنظومات الطبيعية التي تعيش فيها الكائناتُ الحية. وهذه الدراسة تتيح، فيما بعد، بسطَ القواعد والمعايير التي يجب أن تخضع لها نشاطاتُ الإنسان – وخصوصًا الاقتصادية منها – لكي تحترم الإيقاعاتِ والتوازُناتِ الطبيعية لهذه المنظومات.
لقد أذعنت المذاهبُ الاقتصاديةُ المسيطرةُ لمنطق الإنتاجية productivisme يُعميها. فهي لم تأخذ في حسبانها التناقضاتِ والمآزق التي قادنا إليها تطورٌ تقني متروك على عواهنه، فلم تفلح في التحول قبل أن يفوت الأوان عن الأوهام العلموية التي ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر والتي أمَّلتْ الناسَ في تقدُّم اجتماعي متواصل بوصفه نتيجةً حتميةً لتقدم تقني خطِّي. علينا اليوم الاعتراف بإخفاق التصور العلموي للتقدم الصناعي. وهذا لا ينطوي على وجوب استبعاد أيِّ استحداث تكنولوجي عبر تغنٍّ مغرِّر بـ"أيام الجدود. لكن هذا يعني أن الأمر المُلِحَّ هو السيطرة على تطور مجتمعاتنا الصناعي وإعادة تحديد المعايير التي يجب علينا تبعًا لها إدارةُ هذا التطور. لقد تم اجتياز حدود وتخطي عتبات، بحيث لم يعد في الإمكان القول بأن الأمر عبارة فقط عن إسراف أو شطط محدودَين. إن منظومة الإنتاج الصناعي نفسها هي التي يجب إعادة التشكيك فيها من أجل إخضاعها لإلزامات الإيكولوجيا. فالإنتاج بشكل مختلف يقتضي العمل بشكل مختلف والاستهلاك بشكل مختلف، وفي المحصلة، العيش بشكل مختلف، أي العيش بشكل أفضل.
إبان أمد طويل – لا بل طويل جدًّا – كان على الإنسان أن يحميَ نفسَه من جميع أنواع الأخطار التي تُثقل بها الطبيعةُ عليه؛ أما اليوم فقد بات الإنسانُ، عِبرَ القدرة التقنية التي اكتسبها، هو الذي يثقل على الطبيعة بأخطار جسيمة. نتكلم هنا عن وضع جذريِّ الجِدة يتطلب إعادةَ التفكير في أسُس الأخلاق التي تنظم قدرةَ الإنسان على الفعل. لقد بتنا نعلم أن الأرض فانية. قطعًا إن الأسوأ غير مؤكد، لكنه صار ممكنًا. ينبغي، إذن، أخذُ هذا الاحتمال على محمل الجِد.
لقد بات على الإنسان أن يواجِهَ في شجاعة حالةَ الهشاشة والضعف التي تعاني منها الطبيعة من جراء قدرته على الفعل، ويجب علينا أن نستوعي أن الطبيعة أصبحت موضع مسؤوليته. فيما مضى، لم تكن مسؤولية الإنسان، عِبرَ أفعاله، متعلقةً سوى بالمستقبل القريب جدًّا؛ أما اليوم فمسؤوليتُه تمتد عِبرَ الزمان لتنصبَّ على المستقبل الأبعد. يجب عليه، إذن، التصرف بحيث تظل الحياةُ الإنسانيةُ على الأرض ممكنةً في المستقبل.