عِنْدَما يَبْلُغُ ضوءُ الشَّمْسِ جَوَّ الأرض يَصْطَدِمُ بِجُزَيئاتِ الهواء وجُسَيْمات الغُبارِ المُعَلَّقَةِ فيه فَيسْتَطيرُ (أو يَتَشَتَّتُ) باتِّجاهاتٍ شَتَّى.
وتُفَسِّرُ اسِتطارَةُ الضَّوءِ زُرْقَةَ السَّماء؛ فالضَّوءُ الأبيضُ هو مَزيجٌ من الألوانِ ذاتِ الأطوالِ المَوجيَّةِ المختلفة. وهذه الأطوالُ المَوجيَّةُ مُتَبايِنَةُ الاستِطارةِ، فأكثَرُها اسِتطارةً اللَّونانِ الأزرق والبنفسجيُّ وهذا ما يَجْعَلُ لون السَّماء أزرق نهاراً. أما في الصَّباح والمساء حين تكُونُ الشَّمسُ خفيضةً في الأُفُقِ فإنَّ ضوء الشَّمسِ يقطعُ مسافةً طويلةً عَبْرَ جَوِّ الأرض قبل أن يَصِلَنا ويَفْقِدُ بالاسِتطارةِ نسبةً كبيرةً من أمواج الأزرق والبنفسجيِّ بتأثيرِ جُسَيماتِ الغُبارِ في جَوِّ الأرضِ؛ وهذا ما يجعَلُ ضوء الشَّمسِ يبدو مُحْمَرًّا عند الشُّروقِ والغُروب.
عندما يَسْقُطُ الضَّوءُ على جِسْمٍ ما يُعكَسُ بَعْضُه، وقد يَنْفُذُ بعضه، ويُمْتَصُّ الباقي. وتَعْتَمِدُ كَمِّيَّةُ ذلك على نوعيَّةِ مادَّةِ الجسم، فالمَوادُّ غير الشَّفَّافةِ كالخَشَبِ والمعادن والفِلِزَّات لا تُنْفِذُ الضَّوءَ بل تَمْتَصُّ مُعظمَهُ، والصَّقيلَةُ السَّطحِ منها تَعكِسُ بعضه. أمَّا المَوادَّ الشَّفّافَةُ كالماء والزُّجاج فَتُنْفِذُ مُعْظَمَ الضَّوءِ وتَمْتَصُّ بعضه. فالذَّرّات والجُزَيئاتُ المُكَوِّنَةُ للمادَّةِ تَمْتَصُّ، بنِسَبٍ مُتفاوتِةٍ، الطَّاقَةَ الضَّوئيَّةَ أو الحَراريَّةَ أو فَوْقَ البنفسجيَّةِ السَّاقِطَةَ عليها.
تتكَوَّنُ جُزَيئات المَوَادِّ من مجموعاتٍ ذَرِّيَّةٍ ثُنائيَّةِ الذَّرّات أو مُتَعَدِّدَتِها. والذَّرّاتُ قادرةٌ على امتصاص الضَّوء وغالباً ما تقتصر مَقْدرَتُها على امتصاصِ لَوْنٍ واحِدٍ من مُكَوِّناتِ الضَّوء فقط. لكِنَّ الضَّوءَ كما أسلفنا مُكَوَّنٌ من سَبْعِ مجموعاتٍ لَوْنيَّةٍ هي ألوانُ قَوسِ القُزَحِ. وكُلٌّ من المجموعاتِ السَّبْعِ تنطوي على مئاتٍ من الألوانِ المُتقارِبَةِ الدِّخْلَةِ. ولِكُلٍّ من هذه الألوانِ المُتَعَدِّدَةِ طُولُهُ المَوْجِيُّ وتَردُّدُهُ المُمَيِّزُ.
فعندما يُسْقُطُ الضَّوءُ على مادَّةٍ ما تَمْتَصُّ ذرّاتُ المادَّةِ بعض مُكَوِّناتِهِ وتَعْكِسُ أو تُنْفِذُ الباقي. وهذه المُكَوِّناتُ المُتَبَقَيِّةُ المُنْعَكِسَةُ (أو النّافِذَةُ) إلى العَيْنِ هي التي تُحَدِّدُ لَوْنَ الجِسْمِ.
وحينما تَمْتَصُّ ذَرَّةٌ ضوءًا عادياً أو فوق بنفسجيٍّ تزدادُ طاقَتُها فتُصبِحُ مُثارَةً. والذَّرَّةُ المُثارَةُ غيرُ مُستَقِرَّةٍ- ولا بُدَّ لها من التخَلُّصِ من تلك الطّاقَةِ الزائدةِ، ويَتِمُّ لها ذلك غالباً بابتِعاثِ ضَوءٍ أو إشعاعٍ فوقَ بنفسجيٍّ من طُولٍ مَوجيٍّ مُماثِلٍ. وتقومُ بعضُ الذَّرّات بامتصاص ضوءٍ من طولٍ مَوجيٍّ مُعَيَّنٍ وتَبْتَعِثُه فوراً بطُولٍ موجيٍّ أكْبَرَ وهو ما يُعْرَفُ بالتَفْلُورِ فتُسَمَّى المادَّةُ مادَّةً مُتَفَلْوِرَةً أو فَلْوَرِيَّة. أمَّا إذا تأخَّرتِ الذَّرّاتُ قليلاً في ابتعاثِ الضَّوء المُمْتَصِّ فَتُسَمَّى المادَّةُ مادَّةً مُتفَسْفِرَةً. وتُستَخْدَمُ المُتَفَسْفِراتُ في سَتائرِ (شاشاتَ) التِّلفزيون.
والمَبْحَثُ الذي يعالِجُ امتصاص الذرَّاتِ للضَّوء وابتِعاثَه يُعْرَفُ بالمِطْيَافِيَّةِ أو عِلمِ الطَّيفِ، ويُسْتَخْدَمُ في البُحوثِ العِلميَّةِ والطِّبِّ والصِّناعَةِ والدِّراساتِ الفلكيَّةِ. والمِطيَافِيَّةُ وسيلةٌ لتحليلِ المَوادِّ وتمييزها، وقد تَوصَّلَ العُلماءُ عن طريقها لمعرفةِ الكثيرِ عن تركيبِ الذَّرَّة والجُزَيئاتِ.
وتُسْتَخْدَمُ مِرْسَمَةُ الطَّيفِ (السبِكْتروغراف) في دراسَةِ امتصاصِ الضَّوء وابتعاثِهِ، فهذه الآلةُ تُحَلِّلُ الضَّوءَ بمَوشُورٍ إلى مُكَوِّناتِه اللَّونيَّة (أو المَوجيَّة) المختلفة، ومِنْ ثَمَّ يَسْقُطُ الضَّوءُ على لوحَةٍ فُوتوغرافيَّةٍ تُسَجِّلُ طَيْفَ ابتعاثٍ أو طَيْفَ امتِصاصٍ مُمَيِّزًا.