مبدأ نيكسون وهو تسمية أطلقت على المبادرات المثيرة التي سجلها ريتشارد نيكسون في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية .
مفهوم المبدأ
في مثل هذا اليوم منذ أربعين عاما.. فاجأ الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون الأميركيين والعالم بعد ستة أشهر فقط من توليه مهام منصبه كرئيس، بمبادرته المثيرة التي سجلها تاريخ الولايات المتحدة الحديث والتي عرفت باسم « مبدأ نيكسون». كانت أجواء أميركا وقتها ملبدة بتوتر حاد بسبب تصاعد حرب فيتنام وتساقط الجنود الأميركيين بأيدي ثوار «الفيتكونغ» في أدغال جنوب شرق آسيا.
الشعب الأميركي بأسره كان ضد الحرب التي استنزفت قوى أميركا البشرية والمادية. وكان لابد أن يبحث نيكسون الوافد إلى البيت الأبيض خلفا للرئيس ليندون جونسون الذي تسببت سياسته في اسقاط الاميركيين في المستنقع الفيتنامي، عن مخرج لانتشال بلاده من العار الذي لحق بها في فيتنام. وكان برنامج نيكسون الانتخابي قائم على شعار «الخروج من فيتنام بسلام مشرف». وجاء المخرج من خلال ما عرف ب«مبدأ نيكسون».
وهو يتلخص في عبارة واحدة وهي «فتنمة» الحرب الفيتنامية، أي تصدير الحرب للفيتناميين أنفسهم، فتتولى فيتنام الجنوبية المحمية من الولايات المتحدة مسؤوليتها في مواجهة فيتنام الشمالية المرعية من قبل الاتحاد السوفييتي والصين، وفي نفس الوقت ترفع أميركا يدها العسكرية فقط عن الأرض الفيتنامية دون أن تتخلى عن دعمها الكامل للجنوب الفيتنامي.
وقت إعلان مبدأ نيكسون في 25 يوليو1969، كانت الحرب في فيتنام قد مر عليها أربع سنوات تقريبا، وكان هدفه المعلن تشجيع فيتنام الجنوبية ونظام سايغون على تحمل المزيد من المسؤولية عن الحرب. مما يمهد الطريق للولايات المتحدة لسحب جميع جنودها تدريجيا من فيتنام.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها رؤساء أميركيون أفكارا وخططا لتسيير شؤون العالم تحت مسمى «المبادئ».
فقبل أكثر من 12 عاما على مبدأ نيكسون، عرف العالم ما سمي بمبدأ ايزنهاور الصادر في 9 مارس عام 1957 من خلال بيان مشترك من جانب الكونغرس ـ باعتباره الجهة التشريعية التي تقر السياسات وتصدق عليها، والبيت الأبيض الجهة التنفيذية وصانعة القرارات المصيرية التي لا تطبق في معظمها إلا بموافقة مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب).
قام هذا المبدأ في زمن بزوغ القوى الشيوعية التي صارت في ذلك الوقت قوة ند تناطح الولايات المتحدة ولا تجعلها منفردة وحدها في فرض إرادتها على المجتمع الدولي.
كان ايزنهاور قد بدأ في تطبيق ما عرف ب«سياسة الاحتواء»، مستعينا بوزير خارجيته الشهير جون فوستر دالاس المعادي للشيوعية. وكان الهدف هو إضعاف هيبة الاتحاد السوفييتي السياسية والصين باعتبار أن الأولى هي القوى الرئيسية المنافسة للولايات المتحدة، والثانية القوة الشيوعية الإقليمية المؤثرة في جنوب شرق آسيا.
وفي عام 1954 تم تشكيل ما يشبه الحلف وهو ما سمي بمنظمة جنوب شرق آسيا التي الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، نيوزيلندا، الفلبين، تايلاند وباكستان. وكان الهدف من هذا التجمع الحد من انتشار الشيوعية. (ولكن المشروع لم يحقق مآربه لعدم اتساع قاعدته لتشمل الدول الآسيوية الرافضة للسياسة الأميركية الجديدة).
وفي عام 1956، صدر إعلان الكونغرس الذي حدد الإطار العام للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر مباشرة، والذي استهدف أساساً احتواء التمدد السوفييتي باتجاه المنطقة.
وتضمن الإعلان تفويض الرئيس الأميركي سلطة استخدام القوة العسكرية في الحالات التي يراها ضرورية لضمان السلامة الإقليمية، وحماية الاستقلال السياسي لأي دولة، أو مجموعة من الدول في منطقة الشرق الأوسط، إذا ما طلبت هذه الدول مثل هذه المساعدة لمقاومة أي اعتداء عسكري سافر تتعرض له من قبل أي مصدر تسيطر عليه الشيوعية الدولية.
وتضمن الإعلان أيضا تفويض الإدارة الأميركية في تحديد برامج المساعدة العسكرية لأي دولة أو مجموعة من دول المنطقة إذا ما أبدت استعدادها لذلك، وكذلك تفويضها في تقديم العون الاقتصادي اللازم لهذه الدول دعماً لقوتها الاقتصادية. ثم ظهر مبدأ ايزنهاور وقام على ثلاثة عناصر رئيسية هي:
1 ـ تعاون الولايات المتحدة مع دول الشرق الأوسط لدعم القوة الاقتصادية لهذه الدول والموافقة على مساعدات قدرها 200 مليون دولار سنويا.
2 ـ تخويل الرئيس إنفاق المبالغ التي يتم رصدها لمساعدة أي دولة أو مجموعة من الدول تحتاج إلى مساعدات أو تعاون عسكري،
3 ـ استخدام القوة العسكرية الأميركية في حالة الدفاع عن وحدة واستقلال الأراضي التي تطلب مثل هذه المساعدات حتى يمكنها التصدي للعدوان الصريح المسلح الذي تشنه أي دولة تسيطر عليها الشيوعية.
كان الهدف الأساسي من مبدأ ايزنهاور، هو التصدي للشيوعية ولو تطلب الأمر التدخل عسكريا لذلك. ولكن مبدأ نيكسون، عكس ذلك، أظهر الولايات المتحدة كقوة عظمى تستهدف تشجيع دول العالم الثالث على تحمل مسؤوليات أكبر في الدفاع عن نفسها، وأن يقتصر الدور الأميركي على الدعم بشتى صوره.
وكانت الولايات المتحدة من خلال هذه السياسة، تستهدف كما أشرنا الخروج من المستنقع الفيتنامي. وبالفعل بعد 40 شهرا من مبدأ نيكسون تم وقف القتال، ثم الانسحاب بعد شهرين، وكان الخروج هزيمة مريرة لا ينساها الشعب الأميركي. وبقى بعد ذلك مبدأ نيكسون، ومازال يطبق حتى الآن من خلال الدعم الأميركي لأنظمة تحمي المصالح الأميركية.
إضاءة
تم في 23 يناير 1973 التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في فيتنام. وتضمن الاتفاق: توقف جميع أنواع العداء. وانسحاب القوات الأميركية من جنوب فيتنام خلال الشهرين التاليين للتوقيع، وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين.
والاعتراف بالمنطقة المنزوعة السلاح بين الشطرين على أنها مؤقتة لا أنها حدود سياسية، وإنشاء لجنة دولية مكلفة بمراقبة تطبيق الاتفاق.
وبقاء 145 ألف جندي من شمال فيتنام في الجنوب. وبعد مغادرة آخر جندي أميركي من فيتنام، فاحت رائحة فضيحة ووترغيت التي أجبرت الرئيس نيكسون على الاستقالة يوم 9 أغسطس 1974. وبسببها لم تول واشنطن اهتماما كبيرا بحكومة سايغون التي سقطت وتحدت فيتنام بفعل انتصار الشماليين.
منقول