التصريع :
هو "جعل العروض مقفاة تقفية الضرب"[1] إذا يُختم الشطر الأول بما خُتم به الشطر الثاني. وبيّن الدكتور علي الجندي وظيفته في إحداث الإيقاع الموسيقى، فقال: "والتصريع- في حقيقته- ليس إلا ضرباً من الموازنة، والتعادل بين العروض والضرب، يتولد منها جرس موسيقى رخيم، وهو لذلك من أمس الحلى البديعية للشعر وأقر بها إليه نسباً وأوثقها به صلة ، ونحن حينما نرهف آذاننا للإرشاد من شاعر معروف ، فأول ما نتشوف إليه ونترقبه منه هذا التصريع الذي يشبه مقدمة موسيقية خفيفة قصيرة، تلهب إحساسنا، ويهيئنا لاستماع قصيدته ، وتدلنا على القافية التي اختارها فإن أغفلها أو أتى به رديئاً ركيكاً خيل أن شيئاً من الجمال ترك مكانه شاغراً"[2].
وقد انتشر التصريع في القصائد التي نظمها الشعراء في الخليفة هارون الرشيد، ومنها:
قول أبي العتاهية: [3]
قطعت منك حبائل الآمال
وحططت عن ظهر المطي رحالي
وقال منصور النمري [4]
بورك هارون من إمام
بطاعة الله ذو اعتصام
وكذلك قوله [5]:
ماذا ببغداد من طيب الأفانين
ومن عجائب للدنيا وللدين
والأمثلة على التصريع منتشرة في الشعر لعلنا ندرك النغم الموسيقى من تكرار (اللام، الميم، النون) في نهايتي العروض والضرب، وعندما نلفظ بالأول منهما نتشوق إلى إكمال النغمة بنطق الثاني، وكأن البيت ذو قافيتين، إحداهما داخلية والأخرى خارجية.
وإذا كانت هذه النغمة تنتج من تكرار الصوت في نهايتي شطري بيت واحد، فما بالنا لو أنها تكررت في خمسة أبيات متتالية، فإنّ النغمة تزداد إيقاعاً وجمالاً وتعلقاً بالأذن، وكأنها قفلة موسيقية ينتهي بها بكل شطر، كقفلة القطعة الموسيقية، ولنقرأ معاً قول مروان بن أبي حفصة: [6].
موسى وهارون هما اللذان
في كتب الأخبار يوجدان
من ولد المهدي مهديان
قد عنانين على عنان
قد أطلق المهدي لي لساني
وشد أزري ما به حباني
من اللجين ومن العقيان
عيدية شاحطة الأثمان
لو خايلت دجلة بالألبان
إذاً لقيل اشتبه النهران
إنها أبيات أشبه بالنوتة الموسيقية التي تتكرر فيها نغمة محددة، والنغمة-هنا-صادرة عن حرف النون، وما يزيد النغمة وضوحاً وطولاً حرف المد السابق عليها، لتصبح النغمة مزدوجة، ويصدر الإيقاع قوياً، فتتعلق به الأسماع، وتسير مع النغمة من الشطر الأول حتى تلتقي بأختها في الشطر الثاني.