وَقَفْتُ أَبْكِي على الأطلالِ
بقلم سلطان الهالوصي
النَّفْسُ تَهْوَى كَعِشْقِ النَّبْتِ لِلْمُزُنِ
هَلْ عاشَ نَبتٌ بِغَيْثٍ غَيْرَ مُقْتَرِن؟!
رَوْحَانِ مُؤْتَلِفَا الْأَفْنَانِ وَانْجَذَبَا
بِالشَّوْقِ حُبًّا كَمَا حَيْكٍ مِنَ الرَّدَنِ
فَارَقْتِ حُبِّي وَقَلْبِي مَنْ لِمَمْلَكَتِي؟
هَلْ مِنْ حَبِيبٍ مِنَ الْأَسْقَامِ يُسْعِفُنِي؟
أَيَا طَبِيبًا لِأَسْقَامِي كَفَى عَبَثًا
لَيْسَ السَّذَابُ دَوَاءَ الْجُرْحِ يُنْقِذُنِي
إنْ كانَ رُمْحُ لِحَاظٍ مِنْكِ يَقْتُلُنِي
فالْوَصْلُ صارَ دَوَاءً مِنْكِ يُنْعِشُنِي
أنَا صَرِيعُ الْهَوَى وَالْوَجْدُ مُنْهَزِمٌ
مالي خَلِيلٌ سِوَى سُهْدٍ يُؤَرِّقُنِي
أَعِيشُ فَرْدًا وَفِي حُزْنٍ يُقَلِّبُنِي
عَلَى شَفَا الشَّوْكِ بِالْآهَاتِ يُقْذِفُنِي
عَانَيْتُ زِلْزَالَ هَجْرٍ بَاتَ يَضْرِبُنِي
تَهَدَّمَ الْحِصْنُ لَمْ يَشْفَعْ لَهُ حَزَنِي
حَسِبْتُ نَفْسِي كَمَا الضِّرْغَامِ تَأْزِرُنِي
إِذَا بِهَا الْخِلُّ لِلْأَوْجَاعِ وَالْمِحَنِ
أَبْحَرْتُ فى يَمِّ شِعْرِي لَمْ أَجِدْ جُزُرِي
كَادَتْ رِيَاحُ الْهَجِيرِ الْمُرِّ تُغْرِقُنِي
كُلُّ الطُّيُورِ التي وَلَّتْ مُهَاجِرَةً
حَنَّتْ إلى عُشِّهَا إِلَّاكِ لَمْ تَحِنِ
وَفَوْقَ أَفْنَانِ أَشْجَارِ الْجَوَى غَرَدِي
وَقَفْتُ أَبْكِي عَلَى الْأَطْلَالِ بِالشَّجَنِ
أَتَذْكُرِينَ دِيَارًا كُنْتِ زَهْرَتَهَا ؟!
تَفُوحُ بِالشَّذْوِ وَالْأَشْعَارُ تُمْطِرُنِي
حَبُورَةُ الدّارِ كَالْأَنْغَامِ ضُحْكَتُهَا
أَمِيرَةٌ وَأَنَا السُّلْطَانُ تَأْمُرُنِي
أَتَذْكُرِينَ شِتَاءً قَدْ أَتَى كَلِحًا
وَدِفْءُ حُضْنِكِ نِيرَانٌ غَزَتْ مُدُنِي؟!
كُلُّ الْفُصُولِ رَبِيعًا كُنْتِ نَسْمَتَهُ
بَعْدَ الرَّبِيعِ خَرِيفٌ جَاءَ يَنْثُرُنِي
إِنِّي انْتَوَيْتُ عَلَى الْإِبْحَارِ تُؤْنِسُنِي
بَسْمَاتُ ثَغْرٍ إِلى الشُّطْآنِ تَجْذِبُنِي
وَعَنْ وِصَالِكِ لَنْ تَنْفَكَّ أَشْرِعَتِي
يَا مَنْ تَرَكْتِ فَتَاكِ الصَّبِّ فِى الْفِتَنِ
فِدَاكِ نَفْسِي وَأَوْطَانِي مُدَلَّلَتِي
أَنْتِ الْوَحِيدَةُ فِى الْأَكْوَانِ تَسْحَرُنِي
حَتَّى الْمَنِيَّةِ أَنْتِ الرُّوحُ يَا وَطَنًا
فِيهِ الْهَوَى عَلَمٌ وَالطَّيْفُ يَحْرُسُنِي
لا رَيْبَ سَوْفَ يَرُوقُ الْيَمُّ بَعْدَ غِمَا
رِ نُوَّةٍ عَصَفَتْ بِالدَّرْبِ تُهْلِكُنِي
دَنِفْتُ عِشْقًا كَما الْبُرْكَانِ يَقْذِفُنِي
بِنَارِهِ حِمَمًا دَامَتْ لِتُحْرِقَنِي
كَتَمْتُ فى صَدْرِيَ الْمَجْرُوحِ أَنَّتَهُ
وَصِرْتُ أسْعَى إِلَى الْمَجْهُولِ يُقْبِرُنِي
هَلْ كُنْتِ تَدْرِينَ بِالْأَقْدَارِ يَا قَمَرًا
أَنَّ الْمَحَاقَ قَرِيبٌ جَاءَ يَلْثِمُنِي!
أمَا نَصَحْتِ حَبِيبًا قَبْلَ عَتْمَتِهِ!
تَاهَ الطَّرِيقُ وَكَادَ التِّيهُ يَقْهَرُنِي
مَنْ يُنْجِ ضَالًا مِنَ الإِظْلَامِ يَا قَمَري
سَنَاكِ بَوْصَلَةً تَهْدِي إِلَى الْوَطَنِ
مِنْ قَبْلِ حُبِّكِ كَانَ الْحِسُّ مُنْعَدِمًا
كَمَا جَلِيدٍ أَصَابَ النَّبْتَ بِالدَّرَنِ
إِنْ كَانَ نَيْرُوزُنَا قَدْ مَاتَ مُنْتَحِرًا
مِنْ شَهْقَةِ الْبُعْدِ فَالْأَحْزَانُ مِنْ سُنَنِي
فَلَنْ أُبَارِحَ غُصْنِي فَالْهَوَى نُسُكِي
وَلَوْ جَفَا لَقْلَقِي فَالطَّيْفُ يُنْشِدُنِي
فَقَطْ وِصَالُكِ يَشْفِي الْجُرْحَ يُدْمِلُهُ
وَغَيْرُ صَوْتِكِ شَذَّ اللَّحْنُ يُصْدِعُنِي
نُجُومُ لَيْلِي فُرَادَى بِتُّ أَحْصِيَهُمْ!
حَتَّى تَوَابِعُهُمْ كَانَتْ تُصَاحِبُنِي!
يَالَهْفَتِي فِى دِيَارٍ أَنتِ خَارِجَهَا
أَسِيرُ ذِكْرَاكِ كَالْمَجْنُونِ تَأْخُذُنِي
فَالطُّهْرُ ذِكْرَى عَبِيرٍ هَلْ نُدَنِّثُهَا؟!
وَالْحَرْفُ نَبْضٌ أَبَى إِلَّا يُسَطِّرني