قامشلو – كان وما زال الكرد أصحاب ثقافة فنية عريقة منذ القدم فأولى الآلات الموسيقية وأقدمها وجودا على وجه الأرض ظهرت على يد الكرد وهي آلة الإيقاع وتطورت عبر التاريخ وحسب ثقافات الشعوب ولكنها بقيت في التراث الفني الكردي الشعبي حيث تفرع منها وفي الثقافة الكردية عدة أنواع ومنها" الربك, الخشخاش وعربانة" أما عند العرب فتسمى الطبل.
ومن أعرق الآلات الموسيقية قدما وقداسة لدى الشعب الكردي هي آلة الطمبور والكمنجة حيث تم اختراعها من قبل الكرد الى ما يعود الى آلاف السنين وطورتها الحضارات الانسانية الأخرى حسب ثقافتها الفنية الخاصة بها, فتفرع عن الكمنجة كافة الآلات الوترية ومنها "الكمان" وبمختلف الأحجام والتسميات والأوتار.
وبالرغم من سياسات القمع الثقافية التي تعرض لها الشعب الكردي عبر التاريخ حافظ على تراثه الفني الشعبي من التلف والضياع ويتسم ذلك بشكل جلي وواضح في ملامح الموسيقي محمد خير يوسف البالغ من العمر 51 عاما القاطن في حي العنترية بمدينة قامشلو حيث اتخذ من صناعة الآلات الموسيقية مهنة له منذ 12 عاما حفاظا منه على أصالة الثقافة الفنية الكردية وخدمة للأجيال القادمة.
فالمواطن يوسف الذي بدأ بالعزف والغناء منذ أن كان عمره 14عاما في مختلف المناسبات الكردية وبالأخص الشعبية منها لمدة 25عام ومن ثم اتخذ من صناعة الآلات الموسيقية الفلكلورية الكردية القديمة مهنة له.
ويرجح الموسيقي يوسف سبب اتخاذه لصناعة الآلات الموسيقية مهنة له أثناء حديثه لوكالةANHA" أنه تساءل يوما من الأيام لو أصبح مسنا وغير قادر على الغناء للناس أو حتى العزف فعليه أن يعمل عملا مفيدا حفاظا على الثقافة الفلكلورية الكردية وذلك عن طريق صناعة أقدم الآلات الموسيقية والمرغوبة لدى الشعب الكردي وهي الطمبور, الداهول, الكمنجة".
وكانت أولى الآلات التي بدأ بصنعها هي الطمبور وذلك عن طريق كسر إحداها والتحقق من كيفية صناعتها ومن ثم تدرب على طريقة صناعتها عن طريق البطيخ الأحمر وكرر التجربة لعدة أسابيع الى أن انتقل الى مرحلة صناعتها بنفسه عن طريق الأخشاب وبعدة رسمية أصبح صانعا للآلات الموسيقية.
كما شرح الموسيقي يوسف الطريقة التي يتم بها صناعة الطمبور والأدوات التي تدخل في صناعتها وهي أنواع من أخشاب الأشجار المختلفة ومنها الزان, التوت, الجام, المشمش وأشار أن أفضلها لصناعة الطمبور هو خشب شجرة الجوز, أما بالنسبة للآلات فهي يدوية ومنها مكينة الرابوض الخشب على النار الغاز أو البابور كما تدخل المخرطة أيضا في صناعتها.
فصناعة الطمبور تعتمد على القوالب الحديدية المنحنية المختلفة الأحجام بحيث يتم قص الخشب الى 14 قطعة طول كل قطعة 50 سم وعرضها 5سم بحيث تبق في الماء الفاتر لمدة يوم كامل ليسهل بذلك انحنائها أثناء تعرضها للنار أما ساق الطمبور فيبلغ طوله47سم.
وتستخدم خيوط النايلون الأسود في تحديد العلامات الموسيقية ويتألف الطمبور من سبعة أوتار ما بين عريضة ورقيقة.
والى جانب صناعة الطمبور يتم صناعة البزق بنوعيه الكهربائي والعادي بنفس طريقة صناعة الطمبور.
وبين يوسف الفرق بين الطمبور والبزق من حيث المفاتيح أولا فالبزق له ستة مفاتيح مصنوعة من اللدائن والشرار ولديه أربعة أوتار وفوهة موجودة على وجه البزق من الأمام, أما الطمبور فلديه سبعة مفاتيح مصنوعة من الخشب وسبعة أتار وفوهة موجودة من الجانب.
وعن صناعة الطبل فيتم عن طريق لصق غربالين ببعضهما هذا إذا كان الحجم صغيرا أما إذا كان الحجم متوسطا يستخدم ثلاثة غرابيل وإذا كان الحجم كبيرا فيستخدم حين ذاك أربعة غرابيل ويتم تلبيسها بالكولاج لتظهر كقطعة واحدة وتلبس بجلد العنزة أما إذا كان الجو ماطرا فتلبس بالنايلون مهما تم الضرب عليها لا تنتزع.
ولكي تصبح صورة فنية فلكلورية متكاملة فيصنع الى جانبها المزمار " دف و زرنة " وتصنع من خشب شجرة المشمش لجمال صوتها أثناء العزف.
أما آلة الكمنجة المصنوعة من الخشب والملبسة بجلد السمك أو سمك القرش أو جلد الغنم والمؤلفة من ثلاثة أوتار فيعزف عليها عن طريق القوس المكون من الشعر الصناعي.
وفي محله المتواضع وبالرغم من غلاء أسعار المواد يقوم الموسيقي يوسف بعمله منذ 12 سنة دون أن يفكر بالذهاب الى دولة أخرى بل فضل البقاء في مدينة قامشلو ليعرف الجيل الشاب بثقافته عن طريق عمله الفني.
وأكد يوسف في نهاية حديثه "أنه لابد من إيجاد الطرق السليمة للحفاظ على التراث الموسيقي الكردي وادخار كل ما هو جوهري للجيل القادم".
مشيرا في ذلك أن عائلته هي عائلة فنية وله كل الفخر أن العائلة تساهم في الحفاظ على التراث الفني الكردي بل و إحيائه وخاصة أن ابنته زينب تعمل كممثلة وظهرت في أفلام بافي طيار بدور زليخة وأن كلام الناس لا يهمه.
بل وجه نداء الى كافة الشباب والشابات الكرد بالعمل والمساهمة في تطوير الفن الكردي من كافة النواحي لإيصاله الى المستوى العالمي المرموق الذي يليق به كفن أصيل.