القاص والروائي زيد شهيد 21/08/2014 09:18
"ظل يوسف معطوبَ الذهن، متذبذباً؛ يرى الناس هياكل من رماد تمشي وتجلس، تأكل رماداً وتنام على رماد.. ظل مُطوَّقاً بجملةِ ذكريات بعضها يغرق في الزهو وبعض آخر حالما تنزل إلى ميدان الذاكرة يتسلل اليها لون الرماد: وقوفه وجها لوجه أمام شميران (زهو)، ليلة اقتحام الحرس القومي غرفته في القسم الداخلي (رماد)، شوقه لزيارة مكتبة مكنزي ومتابعته عناوين الكتب (زهو)، ارتياح الدكتور الوردي له وحديثه عن مشاريعه القادمة (زهو)، الانصعاق لمشاهدة أبيه مقتولاً بشناعة (رماد)، ضجر عبد العزيز القصاب وشكواه من تذبذب ناس المدينة (رماد)(، فصول ابن خلدون في نظرته للعرب (رماد)".شتغل القاص والروائي زيد الشهيد على بناء مدينة مختلفة عن الواقع، متتبعاً الخرائط التي يمكن أن تؤسس لتراجيديا مغايرة في روايته الجديدة (تراجيديا مدينة)، إلا أنه بشكل أو بآخر يعيد رسم مدينته "السماوة" التي ولد وعاش فيها.
يقول الشهيد في حديث خاص لـ "الصباح" أن الرواية تتناول مدينة السماوة، وكيف اختزنت ذاكرته الصور الحية والأحاديث، وما ترتسم في المخيلة من صور تأتي على هدي المحادثات التي تجري ويكون على تماس معها، مضيفاً: "وظفت جزءاً من مشروعي السردي لإدخال هذه المدينة في الأدب العراقي؛ فلم يكتب عنها بشيء من التفصيل وذكر الأحداث سوى عبد العزيز القصاب الذي عيّن فيها قائممقام في العام 1917. أما الزمان فيتحدد بفترة حكم عبد الرحمن عارف بعد تصارع الشيوعيين والقوميين وآل المآل بالناس إلى نبذ الحزبية والشعور أن أيام عارف هي من أهدأ الايام، وتمنوا لو يدوم حال البلد تحت حكمه". مبيناً أن المدينة لكونها محاطة بالعشائر والبدو، فإن القتل المبني على أبجدية الثأر لهاتين البنيتين الاجتماعيتين كثيراً ما تكون السماوة ميداناً لها . فيرى الناس بأم أعينهم الأرواح تزهق والدماء تسيل... من هنا جاءت تراجيديتها ترسمها الأحداث.
أما التقنيات السردية التي اشتغل عليها الشهيد، فالرواية جاءت باللسان الجمعي الذي يعوض صوت الـ"أنا" بالـ"نحن"، كتقنية تعطي رؤية مشتركة، وإن كان البعض من النحن يحاول الخروج عن الطوق فيجد المتلقي نفسه خلال القراءة منقاداً بصوت الأنا أو يتماهى مع الصوت الثالث الغائب، و"لقد جعلت الرواية بثلاثة فصول وبعناوين، كان الفصل الاول (ناصر الجبلاوي وعين الكاميرا)، والفصل الثاني (السينما.. سحر الصورة وتأجيج المخيلة) أما الفصل الثالث فجاء بعنوان (يوسف والمدينة الرماد). ومن العناوين الثلاثة ترى التركيز على الصورة في أرخنة الأحداث وتقديم الشخوص بمواصفات تأتي بها عين الكاميرا".
أما عن التقنية، فاعتاد الشهيد مع كل خطاب روائي يتوجه به إلى المتلقي، يجعله يحمل تقنية تتساوق والخطاب مع تأكيد ذاتي لعدم تكرار نفسي في أكثر من عمل. و"هذا الموضوع أنظر إليه بحساسية وأراجعه باستمرار على مدى الكتابة الزمني خشية السقوط في يم التكرار".
ويشير الشهيد إلى أن تقنية الرواية تركزت على ثلاث أثافي هي بمثابة ثلاثة مواضيع: الأول جريمة قتل تحدث في المدينة، والثاني مصور سيكون له دور كبير في التأرخة من خلال عدسة كاميرته، والثالث بناء السينما الوحيدة (بفنائيها الشتوي والصيفي) وفعلها في التأثير بوعي شباب المدينة سياسياً واجتماعياً وثقافياً.. وبهذا أكون قد خرجت عن تكنيك الرواية التقليدي المتمثل بالبداية والأحداث التي تتفاقم من خلال حركة الشخوص ثم تنامي هذه الأحداث وصولاً إلى الذروة ومن ثم لحظة الانفراج.
الرواية نص متخيل حتى في العمل التاريخي، وهو ما يؤكد عليه النقاد، أما في هذه الرواية فقد دخل الواقع بقوة، فالمكان انفتح على فضاء مدينة السماوة بحاراتها وشوارعها وأزقتها ونهر الفرات. أما الشخصيات فيكاد يكون أغلبها حقيقية، وقد مرت هي أو مرت عليها أحداث تقرب من الحقيقة. فالرواية تبدأ بتصوير جريمة قتل حدثت فعلا في أواسط ستينيات القرن الماضي. يصورها ناصر الجبلاوي، الشخصية التي سحبها الشهيد من الواقع وأدخلها في خضم العمل الروائي، وكذا مع عديد الشخصيات الحقيقية والتي يعرفها السماويون داخل النسيج السردي. أما المتخيل فكثير، ففن القص ينبني على الواقع والمتخيل؛ حسب ما يرى الشهيد، و"من أحسن توظيف هذين العنصرين في الخطاب يكون قد أحسن كسب المتلقي وجعله يدخل روض الامتاع ويخرج وقد امتلأ باللذاذة والعذوبة وحفر الرواية بأحداثها وشخوصها وزمكانها في ذاكرته... ولي أن أقول أن رواية (تراجيديا مدينة) هي الجزء المكمل لرواية (أفراس الأعوام) مع أني أخطط لكتابة جزء ثالث عن المدينة وأبطالها ممن داسوا على أديمها وتنفسوا من هوائها وكتبوا أفعالهم أحداثاً على صفحات تاريخها، وما أنا إلا مؤرخ أدبي يقول المدينة".
شبكة الاعلام العراقي