رغم ان الوقائع على الارض والاعلان المتكرر للسلطات العراقية منذ عام 2003، كانت تؤكد على وجود تنسيق كبير بين الصداميين والتكفيريين، الا ان تطورات جديدة متلاحقة شهدها العراق خلال الايام القليلة الماضية جاءت لتؤكد هذا التنسيق وبشكل لا لبس فيه.
التطور الاول هو ما نشرته صحيفة "التلغراف" البريطانية في عددها الصادر الجمعة 10 تموز/ يوليو عن معلومات خطيرة عن الهرم القيادي في تنظيم "داعش" الارهابي، وهي معلومات حصل عليها الجيش العراقي في إحدى هجماته على أحد مقرات "داعش"، بالتحديد بمنزل قيادي في التنظيم يسمى أبوعبد الرحمن البيلاوي بالموصل.
الملفت ان الوثائق كشفت عن ان اكبر قادة "داعش" هم من ضباط الجيش العراقي السابق ومن جهاز الاستخبارات العراقي في عهد النظام السابق، فنائب البغدادي هو أبو مسلم التركماني واسمه الحقيقي "فاضل الحيالي" مقدم سابق في الاستخبارات العراقية، والمسؤول العسكري الأول في الخلافة الداعشية هو عدنان إسماعيل نجم وكنيته "أبو عبد الرحمن البيلاوي" ضابط سابق في الجيش العراقي، ولقى حتفه في هجوم بالموصل يوم 5 حزيران/ يونيو الماضي.
اما التطور الثاني فكان التسجيل الصوتي المنسوب لنائب صدام، عزة الدوري والذي نشر على الانترنت مساء السبت 11 تموز/ يوليو. الدوري، حيا في هذا التسجيل "انصار السنة وفي طليعة هؤلاء جميعا ابطال وفرسان القاعدة والدولة الاسلامية" دعا الى تجاوز الخلافات حتى "تحرير" العراق، واعتبر ان "يومي تحرير نينوى وصلاح الدين من اعظم ايام تاريخ العراق والعرب بعد ايام الفتح الاسلامي".
اما التطور الثالث والملفت فهو تزامن ظهور خليفة "داعش" الارهابي ابوبكر البغدادي، مع نشر التسجيل الصوتي للمجرم عزة الدوري، فهذا التزامن ليس صدفة، فهو رسالة واضحة يجب على الشعب العراقي ان يقرأها جيدا، وان يدرك حجم المؤامرة التي تحاك ضده.
هذه التطورات المتزامنة تؤكد حقيقة واحدة، وهي وجود محاولة مستميتة للبعث الصدامي للعودة مرة اخرى الى المشهد العراقي بعد ان خلع عنه لباس العلمانية الزائف وظهر جليا على حقيقته، عصابة تكفيرية لا تعرف الا القتل والذبح، وحقيقة البعث هذه يعرفها العراقيون حتى قبل ان تظهر القاعدة و "داعش" على ارض الرافدين، بل ان ممارسات "داعش" ما هي الا نسخة باهتة من ممارسات البعث الصدامي الفاشي، فجلاوزة صدام كانوا ومنذ ستينيات القرن الماضي، يقطعون الرؤوس و الارجل والايدي والالسن والأذان والانوف ويفقؤون العيون ويكسرون الاطراف، ويلقون بالناس احياء من اعالي المباني وفي احواض التيزاب ومكائن الفرم، ويزنرون الابرياء بالديناميت ويفجرونهم، ويدفنون الناس احياء ولايفرقون في ذلك بين رجل و امراة وطفل وشيخ، فهذه الممارسات التي تأباها الوحوش هي من صناعة فدائيي صدام وجيشه الشعبي واجهزة استخباراته وقواته الخاصة وحرسه الجمهوري، فالتكفيريون عيال في هذه الممارسات على الصداميين.
ان تحالف وانصهار الصداميين والتكفيريين في تنظيم واحد، اكد حقيقة التحذيرات التي اطلقها العراقيون منذ سقوط المقبور صدام، من ان فلول البعث المجرم، التي تركت دون عقاب ستعود يوما للظهور على الساحة العراقية للانتقام من العراقيين، وهو ما حدث بالفعل فقد استقدم الصداميون التكفيريين من مجرمي القاعدة من شتى انحاء العالم الى العراق ووفروا لهم الملاذ الامن في المناطق التي كانوا ينشطون فيها غربي العراق وداخل بغداد، لتخريب العملية السياسية وضرب اللحمة الوطنية وزرع الفتن الطائفية بشتى الوسائل، فكان هناك تنسيق واسع بين المجموعتين الارهابيتين حتى في ادق التفاصيل، وكلنا يذكر كيف وقف التكفيريون والصداميون موقفا واحدا في دعم ما كان يعرف بساحات الاعتصام التي كانت مؤامرة كبرى، حيث ظهر المجرم الهارب عزة الدوري في تسجيل مصور في بداية العام 2013 واعلن دعمه لهذه الساحات، التي كانت تخرج منها السيارات المفخخة والانتحاريون.
ان المؤامرة الكبرى التي يواجهها الشعب العراقي اليوم لا يمكن افشالها الا بتعزيز الروح الوطنية والالتفاف حول المرجعية الدينية، التي اثبتت وعلى مر التاريخ بانها الحصن الحصين للعراق والعراقيين، وكذلك الالتفاف حول القوى الوطنية التي ناضلت ضد فاشية البعث بالامس وضد التكفيريين اليوم، فتجاوز هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ العراق، بحاجة الى تضحيات جسام، فمن الصعب جدا الانتصار على هذا التحالف غير المقدس بين الصداميين والتكفيريين، بالاماني والاتكال على الغير، بل بالعمل وشحذ الهمم واستنهاض عناصر القوة في الشعب العراقي، للانتصار على ارادة الشر التي تريد اعادة العراق والعراقيين الى عهود الظلام الصدامية والتكفيرية.