يُحكى أن ملك مولع بالثياب الجديدة، كان ينفق على ثيابه مبالغ باهظة،
وكان يهتم بثيابه أكثر من اهتمامه بمهام مملكته ! ...وذات يوم جاءه محتالان يدعيان أنهما نساجان، وأنهم مستعدون لصناعة ثوب خاص!.ثوب يراه الحكيم، ويعمى عن رؤيته الأحمق، يبصره من يستحق منصبه، ولا يراه الشخص الغير صالح لمنصبه !....فقال الملك بعد تفكير:هذه ثياب رائعة بلا شك، لو أمكنني الحصول عليها لأمكنني معرفة من في مملكتي يتسم بالحكمة والعقل، ومن هم الحمقى والمغفلين ......ولاستطعت اختيار الأكفاء فقط حولي، وطرد من هم غير جديرين بالعمل مع ملك عظيم مثلي !.ثم أمر من فوره بأن يبدأ الرجلان في عمل الثوب .وأمر لهم بمبلغ باهظ كي يستطيعا البدء في العمل.. وبلا إبطاء....فقام النساجان المحتالان بنصب نولين، وأخذا في الانهماك في عمل وهمي، يديران ماكينة الخياطة ولا يضعا فيها شيء.........ويخزنان الحرير الفاخر وخيوط الذهب الغالية التي أحضرها لهم الملك في مكان لا يعرفه سواهم.وطار خبر هذا الثوب في أرجاء المملكة، وبات الجميع في شغف كي يعرف كل واحد منهم مدى حكمة أو حماقة صاحبه، ومن يستحق عمله ومن لا يستحقه.وبعد فترة من بدء العمل المزعوم قرر الملك أن يرسل شخص إلى النساجان ليستطلع أمر الثياب ويحثهما على إنهائه، وقال لنفسه:لا بد وأن أرسل رجل حكيم رصين، كي يستطيع رؤية الثوب...........وليس هناك شخص في المملكة ـ بعدي ـ أحكم من الوزير العجوز، إنه أجدر شخص أرسله ليستطلع الأمر......وذهب الوزير الحكيم إلى القاعة حيث المحتالان يعملان بهمة على النولين الفارغين!فقال في نفسه وهو يحملق في النولين الفارغين:عجبا ما الذي يفعله هذان الرجلان، لا يوجد شيء في النولين، والماكينة ليس بها خيط واحد، سحقا..إن الثوب لا يراه إلا الحكيم والذي يستحق منصبه فقط، لا شك في أنني لست بالحكمة التي كنت أظنها، فلأكتم الخبر، وأخفي أمري إذن.أيقظه المحتالان من خواطره وهما يقولان له:ما رأيك يا سيدي في هذا الثوب الرائع، لم يتبق إلا أيام وننتهي منه، هل أعجبتك الألوان التي اخترناها للملك...فقال لهم الوزير بسرعة:هذا عمل رائع جدا، نوع القماش، والألوان، هذا جهد ضخم، يجب أن أخبر الملك به فور وصولي، بورك فيكم!!!.وأخذ المحتالان يشرحان له وصف الثوب وألوانه، وهو يهز رأسه كمن يرى ويفهم..........وهو في حقيقة الأمر يسجل كل ما يسمع كي ينقله إلى الملك،على اساس أنه رأى الثوب.وطلب المحتالان مزيد من الحرير وخيوط الذهب كي يستكملا العمل...........فأمر لهم الوزير بما يريدان، فوضعاه في مخبأهما، واستمرا في العمل في النول الفارغ بهمة ونشاط.وبعد أيام قرر الملك أن يرسل رئيس حرسه ليستطلع الأمر، ولما لا وهو أحد أهم رجال المملكة..........وحامي الامبراطورية، والرجل الثاني بعد الوزير، من سيكون حكيم إذا لم يكن هو.وبالفعل ذهب الرجل إلى هناك وحدث له ما حدث للوزير.فقال له المحتالان: ماذا يا سيدي، هل أعجبك الثوب كما أعجب الوزير، فقال لهم بسرعة:نعم، نعم، إنها ثياب رائعة، سوف أخبر سيدي الملك عن روعتها بكل تأكيد.وهكذا تحاكت المدينة بأمر هذا الثوب الرائع الذي سيكشف به الملك الرجل الأحمق من الرجل الحكيم.......ويعرف من خلاله من يستحق منصبه ممن يجب عزله فورا!!.وحانت ساعة الصفر، وأعلن المحتالان أن الثياب جاهزة، وقرر الامبراطور أن يكون هناك موكب كبير يطوف المدينة به وهو يرتدي ثيابه الجديدة.وجاء المحتالان إلى الملك وهما يحملان على أكفهما الثوب المزعوم، والناس تنظر إليهما في تعجب خفي........وتُطلق شهقات الاستحسان والانبهار عاليا، كي يثبتوا للجميع أنهم يرون الثوب!.ودخل المحتالان على الملك، ففوجئ صاحب السعادة بأن أيديهما فارغه، لكنه استدرك الأمر، وقال لنفسه:تالله لن أكون أنا الأحمق وكلهم حكماء، لن أكون أضحوكة الناس!!.وقهقه عاليا، ثم قال بصوت سعيد:جميل جداً هذا الثوب، رائع عملكم أيها السيدان، أنتما تستحقان أعلى أوسمة الإمبراطورية، هيا فلأرتدي هذه الثياب وأخرج إلى الشعب المنتظر بالخارج.وساعده المحتالان على ارتداء الثوب الوهمي، وخرج الملك على شعبه.... عاريا!!!!وطاف موكبه المدينة، والوهم والخداع يسيطران على أذهان الجميع، فالكل يهتف بإعجاب، ويصرخ مستحسناً هذا الثوب البديع! ...لم يجرء أحد على الاعتراف بأنه لا يرى الثوب، كي لا يُتهم بالحمق، وبأنه لا يستحق منصبه.إلا طفل صغير.. هو الذي هتف مندهشاً: لكني أراه عاريا!.ثم صاح بصوت عال: إني أرى الملك عاريا.. أراه عاريا لا يرتدي شيء.وسرعان ما تنقاقل الناس خبر الطفل الصغير، وأخذوا يفيقون من وهمهم واحداً تلو الآخر، وانكشف أمر الجميع.. والسبب طفل.القصه تكشف لنا كيف أننا ونحن الكبار، نحتاج إلى براءة الأطفال
كي تكشف لنا ما عمينا عن رؤيته.أن الخداع والتدليس يمكن أن ينطلي على شعب بأكمله، بل ويشارك في صناعته وترديده.
وإن الواحد منا يحتاج إلى استقلالية عقلية، وتفرد ثقافي، ومجموعة قيم ومبادئ ورؤى واضحة وثابتة.كي يصبح أكثر تحصننا أمام ضباب الأفكار المشوهة، والصور المغلوطة.
كي يكون أشد حدة في محاربة الزيف والخداع والتضليل.