بين عتب الناس، و"سخط" فئات في الحكومة، و"قلق" بعض السياسيين، والمسؤولين، والبرلمانيين، نكتب بحساب، وأحياناً بـ"همس"، أو في ما بين السطور، لكي لا نتجاوز "الخطوط الحمر"
بحسب التعبير الشائع بين الناس، أو لكي لا "نسب العنب الأسود" كما يقول المثل. وفي كل الأحوال، ازدادت "خشية التصريح" هذه الأيام، فالحديدة "حارّة"، والاعتقالات في جانب منها "ظالمة"،
حتى لقد اعترف أحد البرلمانيين الناطقين باسم الحكومة وليس باسم غيرها أن هناك من اعتقلوا وهم أبرياء!
إذن فكتابة الرأي، أو نشر الخبر والتقرير، أو العمل عموماً في إطار الصحيفة، ليس "ترفاً كتابياً"، نفرّغ فيه شحنات صدورنا، أو "ننفـّس" عبره عما اختزن فيها من سيول الآلام. ولو كان ذلك كذلك، لأصبحت الصحافة "ملعب لهو وهناء"، بدل أن توصف بمهنة المتاعب.
والذي دفعني إلى كتابة هذا العمود، أسفي أنّي شطبت "سطوراً" من مقال الزميل الكاتب الكبير داود الفرحان، لا لأنه تخطـّى الخطوط الحمر، إنما لأنه تحرّش فعلاً بالعنب الأسود، وهي مسألة تُعدّ الآن من "المحظورات"، التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى "الإزهاق”.
على القراء الأحبة من الآن فصاعداً، ألا ينتظروا منّا "التصريح" في القول، ويقبلوا أحياناً ولضرورات "أمنية على الأروح لا الممتلكات"، بـ"التلميح"، والترميز، والإشارة، واللمحة،
و"الغمزة" و"التلويحة" بديلاً عن الكلام المكشوف، الفاضح، الصريح،
الذي يعطيه القراء لقب "وضع النقاط على الحروف". إنّ نقطة واحدة على حرف،
قد تكلف الكاتب حياته، أو قد تؤدي في أحسان الأحوال إلى "تهجيجه" لا من صحيفته،
إنما من البلد كله. فثمة فرق بين "الخد" و"الحد"، وبين "الخز" و"الحزّ”.
دعونا -أيها الأصدقاء القراء، يا من تتلقف أياديكم المشرق كل صباح- نجد وإياكم "مقتربات تفاهم"،
تساعدنا في الاستمرار، وتمنحكم في الوقت نفسه ما تنتظرونه من صحيفتكم، وكتّابكم،
وصحفييكم في هذا المنبر المستقل، المعتدل،
الذي نريد له جميعاً أن يبقى كما عهدتموه.
دعونا -كحالنا في موروثنا اللغوي- نسمّي "الأعور" كريم العين، ونطلق على اللديغ "سليماً"،
ونصف الأعمى بـ"البصير". ذلك "آمن لنا على أنفسنا"، و"آنق" لكم، يا من تقرؤون الممحوّ،
وتفتّحون أعينكم على سعتها في "اللبن". أما الذين يزعمون أنّ هناك قانوناً يحمي الصحفي،
ويكفل له حرية الرأي، فهم "صادقون" من حيث النظرية، لكنهم "واهمون" من حيث التطبيق،
وآية ذلك أن الكثيرين قتلوا، والأكثر هاجروا أو "هُجّروا"، وأن عدداً كبيراً فضلوا "الصمت"،
أما نحن فمنا من ينتظر، ومنّا من بدّلوا تبديلا!
مقالة كتبها صباح اللامي