الاستعمار الناعم للامة العربية
/إعداد : إيهاب شوقى
الغزو بذرائع انسانية:
يقول الباحث الفلسطينى الدكتور” ابراهيم ابو جابر”:
التحديات التي تواجه مشروع “الربيع العربي” كثيرة، لعل من جملتها ما يمكن أن يطلق عليه “الاستعمار الناعم” من قبل الغرب مجددًا للوطن العربي ـ بدأ بغزو أقطارنا من النافذة هذه المرة وليس الباب كما كان في عصر الحكام والأنظمة الظالمة.
الاستعمار الناعم هذا، بدأ بغزو بعض أقطار العالم العربي بأسلوب غير مباشر هذه المرة، واتخذ وسيتخذ أشكالاً وأنماطاً في ظاهرها الخير وفي باطنها الشر؛ ولعله من جملة أشكاله ما يلي:
التدخل العسكري لحماية المدنيين “الغزو الغربي” :
هذا الشكل والنمط الغربي يوحي للشعوب ولغيرهم من أصحاب الاهتمام حرص الغرب على حماية الناس المدنيين من بطش الحكام الظلمة، وهذا بالطبع يحمل نصيبًا من المصداقية، لكنه في الواقع مرحلة متقدمة لفرض وجودهم على الأرض.
هذا النمط يطبق، كما حصل في ليبيا، من خلال تطبيق قرارات معينة مثل قرار فرض الحظر الجوي، أي منع النظام المستهدف من استخدام سلاح الجو ضد الشعب، ولكنه في واقع الحال إعلان الحرب على هذا النظام وتدمير كل قدراته العسكرية والقتالية الجوية والبرية، لا بل وقصف المنشآت الاستراتيجية والحيوية في الدولة من مطارات وموانئ ومواقع عسكرية وأجهزة رادار ومحطات إرسال وقنوات تلفزيونية،أي باختصار شل النظام تمامًا، ناهيك عما يحصل بعيدًا عن عدسات التصوير من عمليات إنزال لقوات خاصة راجلة.
كل ذلك بالتأكيد لا يحصل بدون ثمن، بل أثمان تعهدت به المعارضة ورموزها في عواصم الدول الغربية.
هذا التدخل لا يتم إلا بعد توقيع صفقات بين الغرب، والقوى المعنية بالتغيير أو ما بدأ يعرف بالمجالس الانتقالية، مثلما هو الحال في ليبيا وسوريا والحبل على الجرار؛ صفقات بالقطع تمس الأمن القومي لتلك الدول وتضمن مصالح الطرف الآخر, وأخرى تعويضه عما يخسره خلال عملية التحرير إن صح القول من ربقة نظام/ أو أنظمة عميلة في الأصل لهم.
هذه الصفقات يرى البعض أنها قد تكون كالتالي:
•دفع مستحقات الدول المشاركة في الحملة “الغزو” وهذا يكلف خزينة الدولة المعنية مبالغ طائلة، لكن سيخصم من أموال الدولة المعنية المجمّدة، أي يعتبر وأصلاً أصلاً.
•التوافق على منح الأفضلية للدول المشاركة في الغزو في عملية إعادة الإعمار والتنمية والاستثمار.
•توقيع عقود بعيدة المدى بالنسبة لموضوع الطاقة (بترول، غاز الخ).
•توقيع الدولة المعنية على ضمانات معينة قد تكون لها علاقة، بنوعية نظام الحكم، والموقف من إسرائيل، ومحاربة ما يطلقون عليه الإرهاب “الإسلام المسلح”.
•ربما أيضًا السماح بإقامة قواعد عسكرية للدول الغازية على أراضي الدولة المعنية.
•فرض منح الدولة المعنية امتيازات لشرائح أو أقليات معينة داخلها.. الخ.
وبالمناسبة يسأل سائل ما الفرق بين نظام عربي ما بعد الثورة عنه ما قبل الثورة، في بعض الدول العربية؟
ألم تتهم الأنظمة السابقة بالعمالة للغرب؟
نعم، فكيف بهؤلاء أيضًا يتعاملون مع نفس الطرف ويدعون بأنه تحرير؟!
الاستعمار الناعم المذكور لبعض الدول الغربية، الذي جاء محمولاً على الطائرة هذه المرة وانصرف شكلاً، يحمل أجندة سيعمل على تطبيقها بطرقه الخاصة وبأشكال مختلفة وملتوية، برّاقة، منها:
أولاً:
دعم الغرب لمشروع الديمقراطية في العالم العربي، وهذا ما غدا الآن شعارًا تتغنى به كل الدول التي حصلت فيها ثورات سواء كان ذلك تكتيكا منها أم حقيقة، في وقت كان فيه مصطلح الديمقراطية محاربًا ومنبوذًا لفترة قريبة جدًا.
ثانيًا:
اللعب على وتر الهبات المالية لهذه الدول، استغلالاً من الدول الغربية للأوضاع الاقتصادية المتردية في هذه الدول للتأثير على القرار السياسي وفرض أجندتها عليه والإبقاء على تبعيته للآخر، كما كانت عليه الأنظمة السابقة.
ثالثًا:
دعم منظمات وجمعيات حقوق الإنسان الفاعلة في العالم العربي ومنها الدول التي حصلت فيها ثورات، كوسيلة جدًا ملائمة ومقبولة على الشعوب، لتأمين الوجود الغربي في المنطقة، ومحاولة استغلال ذلك لتغيير قوانين وفرض أخرى وحماية شرائح معينة في المجتمعات العربية.
رابعًا:
عرض الغرب تقديم خدمات ما على الدول التي تدخلت فيها عسكريًا لكي تستعيد هذه الدول عافيتها، وتحديدًا في تدريب وتأهيل قيادات قادرة على إدارة مؤسسات البلاد، وهذا بالطبع أفضل مجال لوضع بصماتها داخل الأنظمة الجديدة وزرع من تشاء من عملائها داخل الدوائر والمؤسسات الحكومية الرسمية.
هذا ويملك الغرب الكثير من الوسائل والقدرات على فرض نفسه وأجندته على دويلات وأقطار عربية لا تزال تشق طريقها في عالم مصاب بهوس القتل والصراعات وانعدام العدل فيه؛ لكن الآخر المحيّر حقيقة هو ما يعرف بقوى المعارضة في بعض الدول العربية مثل ليبيا سابقًا وسوريا اليوم وربما البعض من المعارضة اليمنية وبعض علماء الدين المسلمين، الذين لا يتوانون في دعوة الغرب أو المجتمع الدولي للتدخل العسكري لحسم الوضع غير عابئين بكل ما ذكر.
الاستعمار بمصطلحات اخرى عولمية:
ويقول الدكتور فخرى الطهطاوى رئيس مركز إدارة الأزمات بالقاهرة فى تصريحات صحفية له انه، يقينا أصبح الاستعمار بشكله التقليدي غير مجد لإعتبارات عديدة منها التكلفة الباهظة، الأمر الذي حدا بالفكر الإستعماري الى العمل على الدخول في عملية بحث معمقة لإبتكار صور أكثر تعقيدا للقوى الإستعمارية لمواصلة تسطير مسيرتها على صفحات تاريخ الإنسانية بدروب الإستغلال والمعاناة، ومن هنا ودون إطالة في التمهيد فإن أساس الإستعمار بكل أشكاله – قديمها وحديثها- وسلاحها القاسي هو منتج “الفكر” الإستعماري، وما العولمة التي يُنظر إليها، بدورها، وكأنها ظاهرةٌ طبيعيّةٌ حصلتْ من دون تدخّل أحد، وأدّت الى رفع الحواجز بين الدول، بحيث أصبح العالمُ “قريةً صغيرةً” غابت فيها العلاقاتُ السلطويّةُ وأصبحتْ للأفكار “أجنحُة تساعدها على الطيران.” الا تجسيد لهذا المنتج ومن ثم فإنّ هذه النظرة إلى العولمة تمنعنا من فهم عمليّة صناعة الأفكار وإنتاج المعرفة وتسويقِها لمصلحة الاستعمار، ولمصلحة النخَب الاقتصاديّة في بلادنا. وأما اعتبارالعولمة “قوّةً ناعمةً” تسهّل النهبَ والاستعمار، فيسمح بتفكيك البنية التحتيّة لنقل المصطلحات والأفكار، بدلاً من الاعتقاد بأنّ هذه الأخيرة تسافر في شتّى الاتجاهات من دون أن تفرضها أيُّ جهةٍ معيّنة.
ويلفت الى أن البعض قد يرى أن الاسم –نظرية ما بعد الاستعمار- يعني أن هذه المدرسة الفكرية قد ولى عهدها وأهميتها بعد زمن الاستعمار، لكن الحالة التي يعيشها العالم الى الان كلها استعمار مباشر او غير مباشر. ان خطاب العولمة ما هو الا دليل على أن الضعيف سيبقى ضعيفا وتابعا للشركات العالمية والقوى الكبرى، مما يعني أن مشاكل العالم الثالث بالخصوص ما تزال باقية، بدون حلول، مما يستوجب طرح الاسئلة العميقة والعتيقة من جديد، ومن قبيل ذلك العدالة والحرية والديموقراطية: ما سبل العدالة في العالم؟ هل نموذج الديموقراطية والليبرالية والرأسمالية الغربية هي النموذج الوحيد الممكن ام ان هناك نماذج أخرى يمكن لثقافات العالم ان تساهم فيها؟…
ويتابع: إن المتابع لحركة تطور الفكر الإستعماري الحديث يلحظ حركة دؤوبة لعملية مراجعة فكرية وسياسية يشهدها الفكر الغربي والعالمي بشكل واسع، ليس فقط لان الغرب ما يزال يشكل ذاته بحسب تمدد أو تراجع فكره وسيطرته بل لان هناك مدارس فكرية ما تزال تتشكل من هذا الفكر ذاته أو تتشكل خارجه، أي ان هناك مدارس فكرية وفلسفية خارج نطاق هذا الغرب فكريا وجغرفيا، وأمثلة ذلك الفكر الاسلامي والفكر الهندي، أما الفكر الصيني فلا يبدو انه وجد له مكانا واسعا بعد في الساحة الاكاديمية الغربية والعالمية رغم أن الاهتمام بهذا البلد اقتصاديا ما يزال يستقطب الانظار يوما بعد يوم. لنعد خطوة الى الوراء.
ويشير فى هذا الصدد الى عدة مصطلحات من إنتاج العقل الغربي، وتُعتبر عمليّةُ نقل هذه الكلمات غير بريئة، بل جزءٌ من الاستعمار الأميركيّ الجديد الذي يرتدي عباءةَ العولمة، التي هي ـ بدورها ـ رديفٌ لاقتصاد السوق الحرّة، أو لما يُسمّى النظام الاقتصاديّ النيوليبرالي . ويعتمد هذا الاقتصادُ على تغييب القطاع العامّ، وتحويلِ الدولة من دولة خدماتٍ إلى دولة أمنيّة. وفي هذه الدولة يُترك المواطنون لرعاية أنفسهم، بينما تنهمك تلك الدولةُ أولاً في تهيئة المناخ لجذب الاستثمارات الأجنبيّة ـ أيْ تسهيل عمليّات النهب؛ وفي تهيئة الموارد البشريّة للعمل عند المستثمرين ثانيًا في المحافظة على “الأمن” وقمعِ أيّ اعتراض على الظلم الناجم عن ذلك النهب، المترافقِ عادةً مع فتح الأسواق.
الاستعمار بالوكالة:
يقول الدكتور انيس صبحى ان المال العربي ساهم بأدوار حاسمة و مخفية في إنقاذ رأسمالية الغرب والأمريكية منها بنوع متميز من أزماتها المصرفية منذ سنوات. هذا فضلاً عن احتكار شركات الشمال الكبرى لمعظم مشاريع التنمية العملاقة الهادرة لثروات النفط العربي.
فالأرقام الفلكية الخيالية من الموارد والثروات الهائلة التي كان يمكن للوطن العربي بالأقل القليل من شوارد هذه الأرقام أن ينتج نوع المدنية المفقودة حتى اليوم في معارض أو متاحف العالم المعاصر، لكن الغرب يسلب من العرب مجالهم الحيوي صار هذا المجال نهباً مشاعاً لأكبر لصوصيات القرن العشرين وما بعده بمساعدة أنظمة الاستعمار الداخلي بالوكالة عن حلفائه أسياده الأجانب.
الطابور الخامس:
في ما سمي الاستراتيجية الأميركية الجديدة التفاتة لأهمية المنظمات غير الحكومية والمقصود تلك التي تخضع لتوجيهات واشنطن والتي لا يمكنها الاستمرار بدون دعمها المادي.
تقول دراسة عربية أنه بعد فضيحة إيران كونترا غيت في ثمانينيات القرن الماضي بدأت الإدارة الأميركية تبحث عن خطط جديدة لاختراق الدول وتدعيم الحركات والأحزاب المعارضة، وهو ما عرف بإسم حرب الأفكار، ونشطت المعاهد الأميركية في البحث عن صيغة جديدة، الهدف منها تلافي أخطاء وكالة المخابرات ومشاكل تورط الإدارة الأميركية في الحروب المكلفة، وانتهت الدراسات إلي أن الأسبقية يجب أن تعطى للاختراق عبر ما يسمي منظمات المجتمع المدني، بحيث تقوم هذه المنظمات المدعومة والموجهة أميركيا بصورة سرية بالعمل بشكل شرعي لتأتي بنتائج كانت تكلف بها المخابرات.
وهكذا أصبحت تلك المنظمات تلعب فوق المنضدة نفس الدور الذي كانت تلعبه المخابرات من تحت المنضدة.. المشكلة أن كثيرين تأخذهم البراءة الوطنية ولا يدركون ما يحدث حولهم، وان بعض ما يمر امامهم ليس بهذه البراءة لكنه صناعة أجهزة ومؤسسات تمويل لها أهداف أخرى.
وكما تكشف العديد من الوثائق الأميركية فقد كانت هناك أهداف أخري لزعزعة استقرار انظمة وحكومات معادية للمصالح الأميركية. وقد كانت هذه العمليات معروفة وواضحة إبان الحرب الباردة بين القوتين العظميين في فترة ما بعد الحرب العالمية، وعندما سيطرت أميركا كقوة عظمي ووحيدة اعتقد العالم أن الاستقطاب والتدخل المباشر وغير المباشر قد أصبح من اساليب من الماضي، غير أن ما حدث كان أخطر بكثير مما كان إبان الحرب الباردة.
ان عمليات التدخل تتم الان تحت غطاء عناوين براقة وخادعة، مرة بدعم حقوق الإنسان وأخري لدعم الديمقراطية، وثالثة حقوق المرأة والطفل وحتى مثيلي الجنس. وهي عناوين مقصودة لخداع الرأي العام، والأخطر من هذا وذاك انها تتسلل إلي كثير من المجتمعات خلسة بعيدا عن أجهزة الدولة الرسمية، ويبدأ التعامل المباشر بين الصناديق الأميركية ومنظمات المجتمع المدني مباشرة بدون حسيب ولا رقيب لا في الدول المستهدفة ولا حتي داخل الولايات المتحدة، وأصبحت بعض الصناديق والهيئات تمثل وزارة خارجية أميركية موازية بعيدا عن رقابة الكونغرس الذي يمول بعض هذه الصناديق.
رد مع اقتباس
