جف القلم ، رفعت الصحف ، قضي الأمر ، كتبت المقادير ، ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن يصيبك.
إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك وقرت في ضميرك صارت البلية عطية ، والمحنة منحة ، وكل الوقائع جوائز
فلا يصيبك قلق من مرض أو موت ابن ، أو خسارة مالية ، أو
احتراق بيت ، فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل ، والاختيار هكذا ، والخيرة لله، والأجر حصل ، والذنب كفر.
هنيئأ لأهل المصائب صبرهم ورضاهم عن الآخذ ، المعطي ، القابض ، الباسط .
لن تهدأ أعصابك وتسكن بلابل نفسك ، وتذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر ، جف القلم بما أنت
لاه فلا تذهب نفسك حسرات ، لا تظن أنه كان بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار ، وحبس الماء أن ينسكب ، ومنع
الريح أن تهب ، وحفظ الزجاج أن ينكسر ، ليس بصحيح رغما عنك ، وسوف يقع المقدور ، وينفذ
القضاء ، ويحل المكتوب ..
استسلم للقدر قبل أن تطوق بجيش السخط والتذمر والعويل ، اعترف بالقضاء قبل أن يدهمك سيل الندم ،
فليهدا بالك إذا فعلت الأسباب ، وبذلت الحيل ، ثم وقع ما كنت تحذر ، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ، إن بعد
الجوع شبع ، وبعد الظمأ ري ، وبعد السهر نوم ، وبعد المرض عافية ، سوف يصل الغائب ، ويهتدي الضال ،
ويفك العاني ، وينقشع الظلام ..
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد ، فاعلم أن وراءها رياضا خضراء وارفة الظلال.
إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد ، فاعلم أنه سوف ينقطع.
مع الدمعة بسمة ، ومع الخوف أمن ، ومع الفزع سكينة ..
إن عبيد الساعات الراهنة وأرقاء الظروف القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق والتعاسة ، لأنهم لا ينظرون إلا إلى
جدار الغرفة وباب الدار فحسب. ألا فليمدوا أبصارهم وراء الحجب وليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء الأسوار.
إذا فلا تضق ذرعأ فمن المحال دوام الحال ، والأيام دول ، والدهر قلب ، والليالي حبالى ، والغيب مستور ،
والحكيم كل يوم هو في شأن ، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرأ ، وان مع العسر يسرأ.