ماذا كان الشيعة والسنة العرب والأكراد يفعلون، طوال اكثر من عشر سنوات في السلطة، كي تدحرهم «داعش» بهذا الشكل المخزي؟
أين ذهبت مليارات نفط العراق عبر كل هذه السنوات، ومخصصات الدفاع والتسليح لحكومة السيد المالكي، وأين ذهبت خبرة الاكراد العسكرية التي تصدوا بها لكل الحكومات العراقية عبر تاريخها الحديث، من الزعيم الاوحد الى القائد الضرورة؟
لماذا جرفت تشكيلة عسكرية وليدة الساعة، ومن بنات أفكار بعض الارهابيين والمغامرين مثل «داعش»، حكومة وجيوش الشيعة والسنة في الموصل، وقوات «دولة كردستان» على ابواب «أربيل»؟
الاكراد، تقول الصحف الغربية، يتقاسمون الآن حدودا شاسعة مع الارض التي تسيطر عليها داعش، وتحارب الميليشيات الكردية «البشمركة» داعش يوميا، بعد ان اجتاح مقاتلو داعش معظم المناطق في شمال العراق وغربها»، «وما من مؤشر على انهم ينوون ابطاء تحركهم: لقد «اثبت الجيش العراقي قلة كفاءته في محاربة داعش» (الجريدة، 2014/8/8).
ان كانت قرى ومدن المسيحيين والايزديين والتركمان العراقيين في حمى الاكراد والعرب فقد خانا الامانة، بعد ان احكمت «الدولة الاسلامية»، او داعش، سيطرتها على اكبر مناطق المسيحيين في نينوى، وحطمت مناطق ومساكن شعوب آمنة، واخرجت عشرات الآلاف من المسيحيين وغيرهم من الموصل وقرة قوش وكرمليس وغيرها، من بيوتهم وصادرت ممتلكاتهم واختطفت نساءهم وبناتهم كي تبيعهن سبايا في سوق الرقيق بدير الزور!
وأعلن بطريرك بابل للكلدان في العراق، «ان مئة الف مسيحي فروا بملابسهم فقط، باتجاه مدن اقليم كردستان، بعد هجوم جهاديي تنظيم «الدولة الاسلامية» الذين احتلوا الكنائس وانزلوا الصلبان وحرقوا 1500 مخطوط».
هجوم «داعش» على مناطق المسيحيين والتنكيل بهم وبغيرهم ليس من عمل الجهلاء والغوغاء! فعلى رأس دولة داعش الاسلامية «دكتور في الفلسفة الاسلامية». ولكنه بالطبع كالكثير من الدكاترة الذين ابتلي بهم المسلمون في السنوات الاخيرة، والذين يهيمنون منذ فترة ليست بالقصيرة على الحياة الاكاديمية والمؤسسات الاسلامية بيننا، والذين يزحفون بجهلهم وتعصبهم وارهابهم على سائر مظاهر الحياة والهيئات في البلدان الخليجية والعربية والاسلامية في كل مكان.
مئات الالوف من المسيحيين وغيرهم عاشوا سنوات طويلة في العراق والشام وغيرها، فمن ادخل هذا النوع من الارهاب الديني والكراهية النازية ضدهم، في ثقافة المسلمين اليومية، وممن مزجها بمناهجهم ومحاضراتهم ومقالاتهم وكتبهم وقنواتهم وكل وسائل الاتصال الاخرى؟
جهاديو «داعش» كذلك ليسوا بالضرورة من الاميين والجهلاء، فالكثير منهم من طلبة الجامعات والكليات، وربما من اهل الفقه والحديث والدعاة، وكذلك من شباب اوروبا الذين ما ان دخلوا الاسلام حتى وجدوا انفسهم في ميادين الجهاد بالعراق والشام! ان السهولة التي يتم فيها جرأرجل هذا الشباب الاوروبي الساذج، وابناء الاقليات الاسلامية والعربية في فرنسا وبريطانيا والمانيا الى «الجهاد»، وثقافة العنف والاضطهاد التي يُغذون بها، تثير اسئلة لا حصر لها حول مناهج وافكار المؤسسات الاسلامية الدعوية في الغرب والمشرفين عليها، وخطورة نشاطاتها الدعوية العلنية والسرية.
انني اتابع منذ فترة كالآخرين، مجموعة المقابلات التي تجري مع المسيحيين الاوروبيين المتحولين الى الاسلام، فاراهم يشيدون بـ«عقلانية» و«تسامح» و«رحمة» المسلمين، وروعة كل ما يمت الى الاسلام بصلة، فكيف يمارس هؤلاء مثل هذه الجرائم الدينية والطائفية، التي ترقى الى التطهير العرقي والابادة الاثنية وغيرها؟
من هم رجال الدعوة الخليجيين والعرب والباكستانيين والبنغال والشيشان الذين اشرفوا على تعبئة كل هؤلاء الشباب العرب والآسيويين والاوروبيين، بهذا الحجم المهول من الحقد والكراهية الدينية، والتي تجعل الواحد منهم وحشا يجز رأس خصمه ويلعب به مثل الكرة؟ ولقد اعتادت المؤسسات والشخصيات الاسلامية، الرسمية والدعوية، على قلب الدنيا لقضايا اهون بكثير من هذه التي تتوالى اليوم في العراق، والتي تشوه صورة المسلمين لعقود طويلة قادمة.. لماذا لا يقول احدهم شيئاً؟
خليل علي حيدر
المصـــــــــــــــــــــ ــــــدر