وَفَدَ الخَرِيفُ عَلَى المُرُوجِ رَخِيَّةً أَنْسَامُهُ
فِي أَسْحَمٍ مُتَدافِعٍ زَحَمَ الفَضَاءَ زِحَامُهُ
حَجَبَ السَّمَاءُ مُجَلْجِلَا مُتَوَاصِلاً إِرْزَامُهُ
خَنَقَ الرِّيَاحِ جَنَاحُهُ وَأَدَ الضِّيَاءِ ظَلامُهُ
يَزَوَّرُّ مِنْ لَمَعَانِهِ شَيْخٌ طَغَتْ آلآمُهُ
خَبِرَ الحَيَاةِ وملَّهَا وتَنَوَّعَتْ أَسْقَامُهُ
ذُعْرٌ تَطَايَرَ فِي الفَضَاءِ وفِي الصُّدُورِ مُقَامُهُ
فِي طَيِّهِ فَرَحٌ يَرُفُّ عَلَى القُلُوبِ سَلامُهُ
وهُنَاكَ قَومٌ أَسْنَدُوا كُوخَا يَمِيدُ قِوَامُهُ
لَمْ تُبقِ مِنهُ يَدُ البِلَى لِكِنْ هُنَاكَ رِمَامُهُ
قَد نَاءَ مِنْ ضَرْبِ الرِّيَاحِ الذَّارِيَاتِ ثُمَامُهُ
وَفْدُ الرُّعَاةِ طَغَى عَلَى هَذَرِ البُيُوتِ بُغَامُهُ
ثَورٌ يَخُورُ وبَازلٌ شَكِسٌ يَصِلُّ خِطَامُهُ
هَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ وأَزْبَدَ فِي السَّماءِ لُغَامُهُ
لَمَسَتْ بَوَادِرُهُ الثَّرَى وتَمَايَلَتْ أَعْلامُهُ
وانْهَلَّ فَوقَ الأَرضِ غَيثَا مَائِرَا سَجَّامُهُ
مُتَدَفِّقَا تَحتَ التِّلالِ خِضَمُّهُ وجِمَامُهُ
انْظُرْ إلَى الوَادِي النَّضِيرِ تَمَوَّجَتْ آجَامُهُ
طَفَحَتْ جَوَانِبُهُ بِجَيشٍ مُعجَبٍ إِقْدَامُهُ
أُنْظُرْ إِلَى الفَلَّاحِ كَالنُّوتِي شُدَّ حِزَامُهُ
عَارِي المَنَاكِبِ طَالَ عِنْ مُتَعِ الحَيَاةِ صِيَامُهُ
صَافِي الجِنَانِ قَوِيُّهُ شَهْمُ الفُؤَادِ هُمَامُهُ
بالتَّلِّ رَاعٍ جَاثِمٌ حَفَّتْ بِهِ أَغْنَامُهُ
فَكَأَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ مِن حَولِهِ أَصْنَامُهُ
شَاع الرِّضَا فِي نَاظِرَيهِ وحَلَّقَتْ أَوهَامُهُ
وهَناكَ سِرْبٌ فَاتِنٌ وضَّآةٌ أَحْلَامُهُ
وَردَ الغَدِيرَ يَقُودُهُ مَرَحُ الصِّبَا وغَرَامُهُ
وَضعَ الجِرَارَ وَرَاحَ يَرْقُصُ والتَفَتْ أَجسَامُهُ
إِنَّ الخَرِيفَ عَلَى القُرَى فَوَقَ المُنَى إِنْعَامُهُ
مَلأَ النُفُوسَ جَلَالُهُ وسَمَا بِهَا إِعْظَامُهُ