قصة قصيرة بين المعجزة والوهم
قصَّةٌ قصيرةٌ : بين المُعْجِزَةِ و الوهْمِ
حسن المصوِّف
دخلَ شابٌ لمكتبهِ ووقف أمامَهُ قائلاً:
صباحُ الخيرِ.
ردَّ عليه : مرحبًا أيُّها السَّيِّد كيفَ أستطيعُ أنْ أخدِمَك؟
الشُّابُ : أودُّ تغييرَ اسمي.
فورًا أخذَ الموَّظَّفُ يبحثُ في أدراجِ مكتبهِ القديمِ ، ثُّم أخرجَ ورقةً أعطاها للشَّابِ وقال له :
املأ هذه الورقةِ بمعلوماتِك ، ثم أرفقْ الأوراقَ المطلوبةَ كي نستطيعَ معالجةَ طلبكَ يا بُنَّي .
بالمناسبةِ ما اسمُك ؟
الشَّابُ : اسمي ياحين
الموَّظَّفُ : يا لهُ من اسمٍ غريبٍ بعضَ الشّيء ...
لم أسمعْ أحدًا يُدعَى بهذا الاسمِ من قبل ، أعتقدُ أنَّه عربيّ أو عبريّ .
أعذرُكَ إنْ أردْتَ تغييرَهُ ،
لكن هل كان هناك سببٌ ما لتسميتك بهذا الاسم ؟ !
ياحين : وُلِدْتُ يتيمَ الأبِ ، إذ كانَ أبي قد تُوفي في حادثِ سيرٍ قُبَيل ولادتي بأيامٍ ،
وكان لنا جيرانٌ مسلمون ، و كانوا العربَ المسلمين الوحيدين في حيِّنا ،و لهم طقسٌ حزينٌ في كلِّ سنةٍ لمدةِ عشرةِ أيامٍ
إذ يُغَطُّون بيتَهم بالخِرَقِ السَّوداء ، و لا تَسمع لهم سوى صوت البكاء ، و حزنُهم يخيِّم على الحيَّ بأكمله .
الموَّظَّف : يا له من أمرٍ غريبٍ ...
كلُّ ديانةٍ ولها طقوسُها الغريبةِ لاشك .
ياحين: على أيَّةِ حالٍ حين تُوفي والدي كانت أمي حزينةً جداً ووحيدةً ، و لم يكن برفقتِها أحدٌ ، وصادفَ موتُ أبي طقسَ هؤلاءِ المسلمين .
فكانت أمي تبكي على فقد أبي ، وهم يبكون لسببٍ غير معلوم
لكنَّ أمي وجدت في ذلك مواساةً لها إذ كانت غريبةً في ذلك الحيِّ أيضًا بعد أنْ انتقلتْ مع والديلتحقيقِ أحلام ِالمستقبلِ
لكنَّ القدرَ فاجأهُم.
إلى أن جاءت الليلة العاشرة بحسب ما روتْهُ لي أمي و كانت ليلةً مخيفةً باردةً وممطرةً لا تسمع سوى صوت الرعد والمطر وبكاء الجيران ،
إذ كان بكاؤهم في تلك الليلة أشدَّ من الليالي التي قبلها ، ومما زاد الوضعَ سوءاً أن جاء المخاض لأمي .
الموَّظَّف : يا إلهي وماذا حدث بعد ذلك؟
ياحين : حاولتْ أمي الاتصالَ بالمستشفى لكنَّ الهاتفَ كان مقطوعًا بسبب المطر فخرجت علَّها تستنجد بالجيران ، إلا أنَّ المخاضَ اشتدَّ عليها فسقطت عند باب المنزل. أخذت أمي تتلوى من الألم وتصرخُ علَّ أحدًا يسمعها لكن دون فائدةٍ ،
فقد كان دوِّي العاصفةِ كفيلاً باحتواء أيِّ صوتٍ آخر ، ولم تكنْ السياراتُ تعبرُ شارعَ منزلنا ؛لأنَّهيكون رمليًا وموحلاً عند المطر،
حتى قطعتْ الأملَ في النجاةِ واستسلمتْ للموتِ ولم يَعُدْ بإمكانِها حتى الصُّراخ .
فقط كانت تبكي وهي تتخيَّل لو كان أبي موجودًا ليُمسك بيدها ويحملَّها للمستشفى .
كانت تبكي وجيرانُنَا يبكون أيضاً، كانت تسمعهم يهتفون ياحين ... ياحين
لم تدري أمي ما السبب الذي دعاها للهتافِ معهم ، ربَّما لأنَّه لم يكنْ بيدها أيَّةُ حيلةٍ أخرى.
أخذت تَئِنُ معهم بهذا الاسم ، كانت تأخذ نفساً عميقاً ،وتنطقُ بهذا الاسم مخرجةً الهواء حاملاً الاسم إلى السَّماء كما كانت تقول .
أخذتْ تردِّدُه بشكلٍ متكررٍ إلى أن دوَّى صوتُ رعدٍ مُرعب ، وضربَ البرقُ شجرةً كبيرةً كانت في رأس الشَّارع فسقطتْ لتسدَّه ؛
مما اضطر السيارات التي كانت تعبر الشَّارع إلى تغيير طريقها والالتفاف يساراً ليعبروا عند بيتنا ،
فانتبه لها سائقٌ ما ،وأخذها للمستشفى وحين ولدت اسمتني ياحين .
الموَّظَّف: يا لها من قصةٍ جميلةٍ جدًا وغريبةٍ أيضًا ،
لكن بصراحةٍ لا أدري هل هي معجزةٌ أم محضُ صدفةٍ؟!
ياحين : قد تساقطتْ تلك الليلة أكثرُ من شجرةٍ.
الموَّظَّف: إذن تتفقُ معي أنَّها كانت مصادفةً ، أو لنقل عنايةً إلهيةً ، وليست معجزةً يا بُنَّي
ياحين : أعتقدُ ذلك...
مع أنَّ والدتي ما تزالُ مؤمنةً أنَّ ما حدث معجزةٌ بسبب ذلك الاسم ،
لكنني شككتُ حين وصل إليَّ خبرُ الشجرةِ التي سقطتْ وسط الشَّارع مجبرةً السياراتِ لعبور شارع بيتنا .
الموظف : ما بها؟!
ياحين : هي ذاتُ الشجرة ِالتي ارتطم بها والدي وفارق الحياة أمر غريبٌ بعض الشيء ها...
لكنَّ تسميةُ شيءٍ بأنَّه معجزةٌ أم لا يعتمد على قناعة الفرد وتفكيره ،
فالشَّجرة قد اختلت بعد ارتطامِ سيارةٍ بها ، وما كانت تحتاج سوى ضربةٍ أخرى لتهوي على الشَّارع...
ما حدث هي إرادةُ الله التي هي فوق كل معجزة .
الموظف: أعتقد بعضَ كلِّ هذه الفوضى أنني فهمت السبب الذي جاء بك لتغيير اسمك .
قل لي ماذا ستدعو نفسَك بعد اليوم؟
ياحين : حسين
الموظف : اسمٌ عربيٌ آخر!
ياحين : إنَّه ذات الاسم ، فما كانت تعتقدهُ أمي وسط العاصفةِ هتافًا بياحين كان في الأساس يا حسين،
لكنْ لفارقِ اللغةِ وهولِ الموقفِ لم تستطع تمييزَه.
الموَّظَّف: آه... بتُّ لا أعلم يا بُنَّي هل تظنُّ ما حدث لأمك فعلاً معجزةٌ أم وهمٌ .
مصادفةُ أم مشيئةُ الله ...
يبدو لي أنَّك إنسانٌ مثَّقَف ومتعلمٌ ، لكنَّك تسمي نفسك باسم ذلك الرجل الذي لم تستطعْ أمُّك حتى نُطق اسمه بشكلٍ صحيحٍ
ما لسبب يا تُرى ؟!
ياحين : لقد قرأت الحسين.. .
الموَّظَّف :و من هو الحسين؟
ياحين : هو إنسانٌ حين تقرأه لا تحتاجُ لمعجزةٍ كي تؤمن به، فعظمتٌه هي معجزةٌ بحدِّ ذاتِها.