سلسلة من مذكراتي في رحلة الغربة احداث حقيقية
يوم من ايام الغربة - 1
توجهت الى مقر الامم المتحدة
رغم اني لم اكن اعول عليها في شئ بسبب ما سمعته من العراقيين الذين وجدتهم هنا قبلي
ووضعت في بالي انني ساتوجه اليها فقط لكي احصل على الاقامة في تركيا لمدة سنة واتجنب اعادتي للعراق من قبل الشرطة التركية
ادخلني البواب عبر بوابة حديدية ذكرتني بالسجن
جلست على مسطبة خشبية انتظر شيئا ما ... وربما لاشئ البتة .... حدقت بالجدران وارضية الممر والباب الموصدة ... هنا خلف هذه الباب سيقرر مصيري
خرج احدهم وكان طويل القامة ووسيما ... ونظر الي بنظرات غريبة من دون ان يكلمني .... دخل الغرفة وصفق بابها .... لا ادري لماذا ....
لكنني احسست بالضيق من تصرفه هذا
احسست انني داخل منظمة بوليسية وليس منظمة انسانية ... رغم ان الشعار الذي كتب على الباب من الخارج كان UNHCR
لكنهم يتعاملون معي بنوع من الريبة والشكوك ونظرات مبهمة ذكرتني بالانتظار في اروقة الشعبة الخامسة في ايام زمان
جلست ما يناهز الساعة .... حضر الي البواب قائلا : ادخل الى المدير
وفتح لي الباب وادخلني
كانت غرفة واسعه تحتوي على دواليب مليئة بالاضابير المنسقة بشكل جيد .... ويتوسطها مكتب المدير الذي كان جالسا يعبث بالكومبيوتر الذي امامه
وهناك منضدة اخرى عليها جهاز كومبيوتر وطابعة واشياء اخرى .... بينما وقفت امام النافذة الكبيرة المطلة على المدينة شابة بدا عليها انها صينية او ربما يابانية ...
لا ادري لكن ملامحها شرق اسيوية صارخه .... كانت متضايقة
وبدا لأول وهلة انهما تناقشا في موضوع معين واختلفا في وجهات النظر
قال المدير من غير ان يرفع نظره عن الكومبيوتر
- اسمك الرباعي واللقب
(ادهشتني لهجته العراقية الصرفة )
فاجبته
قال - محل السكن ؟
فاجبته
قال - الديانه ؟
قلت - مسلم
قال - المذهب ؟
ازعجتني كلمته هذه بصراحه .... لكني احسست ان الموضوع لا يتعدى تحقيقا بوليسيا من نبراته وحركاته
قال بصوت منزعج - انت سني لو شيعي ؟
لحظتها ... لا ادري اي غدة من غدد جسمي افرزت هرمونا كنت اعرفه لكني ربما اخشاه .... وفيما بعد اسميته (هورمون العراق )
قلت - ما افتهمت بالضبط سؤالك ؟
قال مكررا سؤاله ببطء وبنبرة منزعجة - انت ... سني ...لو شيعي ..؟
قلت ببلاهه - يعني شنو ؟
قال - اخي مذهبك شنو ؟
قلت - عراقي
صاح غاضبا - انت غبي لو دتستغبي
قلت بهدوء - لا اني عراقي .... يعني مو غبي
قال - جيد ... اذن اجبني عن سؤالي
قلت - لقد اجبتك ... انا عراقي
قال - حسنا ... انت تؤدي الفرائض الدينية ؟
قلت - صراحة أؤديها لكن بشكل متقطع
قال - عظيم ... كيف تصلي ؟
قلت - مثل بقية المسلمين ... الصبح ركعتين والظهر اربـ ...
قاطعني صارخا - تكتف ايديك لو تسبلها
قلت - وما الفرق ؟
جلس وهدأ من روعه ونظر في حاسبته ولا اعلم ماذا بدأ يكتب .... بينما راحت الفتاة الاسيوية التي اتضح انها محامية كورية
نائبة المدير ... تكلمه بانكليزية غريبة نوعا ما .... ورفعت ورقة من على المنضدة مكتوب فيها مجموعة اسئلة باللغة الانكليزية
وتكلمت وهي تلوح بالورقة امامه ...
اخذ الورقة منها ووضعها امامه
والتفت الي قائلا - شوف اخي هاي قائمة اسئلة قياسية تصدر من الهيئة العليا لرعاية اللاجئين
وبيها مجموعة اسئلة لازم تجاوب عليها ... مفهوم
قلت - مفهوم
قال - اذن الان وبكل هدوء اجبني عن سؤالي هل انت سني ام شيعي ؟
قلت - لماذا تصر على هاتين الفرقتين والاسلام فيه الكثير من المذاهب
قال - حسنا قل لي من اي مذهب انت ؟
قلت - ليس لدينا في العراق مذاهب .... هذه افتراضات لديكم وهي غير صحيحة
نحن مسلمون نعبد نفس الاله ولدينا قرآن واحد ونبي واحد ...
صرخ - اني هم مسلم اني مو كافر لا تتفلسف براسي
قلت بكل برود - هذه ليست فلسفة هذه حقيقة
واخيرا تجاوز السؤال ....
واكمل بقية الاسئلة المتعلقة بالحالة الاجتماعية وسبب الهروب من العراق وطلب اللجوء .... الخ
وطالبني بالمستمسكات التي احملها واعطيته ماكان معي
هوية الاحوال المدنية وهويتي الوظيفية
واعطاني كتابا معنونا لشعبة الاجانب في دائرة الشرطة في المحافظة يؤكد فيه انني لاجئ على ذمة الامم المتحدة
وان قضيتي قيد التحقيق والتدقيق ويطالب بمنحي الاقامة المؤقتة لمدة سنة واحدة لحين تسفيري الى بلد ثالث
وحدد لي موعدا اخر بعد عشرة ايام وصرفني
خرجت للشارع وانا اضحك في داخلي من حرقة اعصاب هذا المدير
ذهبت الى مقهى شعبي صغير يجتمع به عراقيون
سألوني عما حدث واخبرتهم
ضحك احدهم وقال - مبروك راح يجيك رفض 100% ما دام المدير تعصب عليك عمي هذا فرعون
قلت - حددلي موعد ثاني
قال - يريد يسوي اجراءات قانونية وبعدين يقرر رفضك حتى يكون موقفه سليم
مثل ما سوى وي غير جماعه
شربت شايا غريب الطعم واللون ورحت اتناقش مع الجماعه حول اي عمل يمكنني من العيش
ما دمت ساطرد من الامم المتحدة(وقفاي يقمر عيش) مثل ما يكولون بمصر
ضحكت وانا اتخيل ان هناك من يضع الخبز على قفاي ويحمره بعد ان اطرد من الامم المتحدة
وقلت في نفسي هم احسن من البطاله اقله اشتغل
*
يتبــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــع