وصل في زورق رمادي ذي شراع فضي اللون مطرز بزرقة السماء، حمل حقيبته المثقلة بالهموم ومضي يصارع أمواج البشر، وحده يحمل تلك الحقيبة وتلك الابتسامة، نظر إلي نساء المدينة، جميعهن يتوشحن السواد.
هل تتشحين السواد يا آنسة؟
ألفه حول جسدي فقط.
فتح حقيبته أمامي، أخرج منها تلالاً هجرتها الثلوج وأطفالاً هجرتهم البراءة، شلالات هجرتها المياه، ونساء هجرها الجمال.. وامرأة يعشقها.
أقفل حقيبته بعد ان أخرج منها حفنة من تراب، ومرغ بها وجهه هذا لكي لا أشعر بالاغتراب .
ثم غاص في الزحام.. غاص بين الغرباء.
رقم (2) الزوجي:
يهتز خليط الألوان علي جناح الفراشة وقد أنهت مهمتها علي الوردة البيضاء.
وأنا طفلة، عشقت صيد الفراشات، أحببت ان اُلطخ يدي بتلك الحبيبات الملونة المنتشرة علي أجنحتها، تخيلت أني أستطيع أن أطير كالفراشة لو لطخت كل جسدي بالحبيبات الملونة، راودني كثيرا حلم الطيران ولا يزال. ثم تنازلت عن حلمي مؤقتا عندما وجدت الفراشة الأولى تموت بين يدي، كرهت أن تموت كل الفراشات لكي أطير وحدي.
فوجئت بفنجان القهوة فارغاً، وأنا أضعه علي شفتي.
عندما عرفته، ظننت أنه هو الذي سيمنحني جناحي الفراشة، فسرت معه.
دقات ساعة الحائط جعلتني ألتفت إليها بتلقائية، عقربا الساعة على استقامة واحدة لا توجد زاوية منحشرة بينهما، صوت الجرس يخالط الدقة الأخيرة لساعة الحائط في موعده قلت لنفسي، لم يكن هو!!
كان موظفا يرتدي بدلة رسمية، سلمني ورقة مطوية وطلب أن أوقع باستلامها. خط أنامله لا أنكره أبداً أعتذر عن موعد السادسة، أعتذر عن كل شيء، الورقة المرفقة، اعتذار، أرجو أن يكون كافياً .
الورقة المرفقة، فتحتها، قسيمة طلاق، نعم.. إنها اعتذار كاف أيها الرجل الذي أحببت يوماً.
ألقيت بالرسالة، الورقة المرفقة، عدت إلي مقعدي وفنجاني الفارغ أبحث عن فراشة تمنحني حق الطيران.. ولا تموت.
رقم (3) الفردي:
قامته الطويلة وشعره الأسود الكثيف جعلاه هدفاًِ للكثيرات من الجميلات.. كنت أراه يقف في إحدي الزوايا مع إحداهن ثم في زاوية أخرى مع أخرى، وفي زاوية ثالثة مع جميلة ثالثة.. كان يلقي إلي بالابتسامات الحلوة من تلك الزوايا فألتقط ابتسامة كورقة نقدية ذات فئة مرتفعة أحتفظ بها للأيام القادمات.. دوماً كان يعود ليفتح حقيبته أمامي، يتغزل في المرأة التي يعشق، يتأملها وأنا أتأمله، يقفل الحقيبة ويمضي بين الزحام.. بين الزوايا.
ما شعرت بالغيرة يوماً من المرأة المحبوسة داخل الحقيبة أو النساء المندسات بين الزوايا.
مراراً نظرت إلي عينيه لأري التلال غطتها الثلوج والشلالات تملؤها المياه الهادرة. ما انتظرت أن يمسك بيدي مرة، ما حلمت أن أسند رأسي علي كتفه العريض.
ابتسامة فقط، ولمعان عينيه، أحببت بخجل أن أستأثر بهما.
همس للفراشات فجاءت أسراباً أمسكت بأطراف ثوبي ودون أن أدري وجدتني وإياه فيما وراء السحب في كوكبة خضراء ترفض الزوايا.. وتلفظ الحقائب إنها الكوكبة الممتدة عبر الخط الفاصل بين الأرض والسماء هكذا قال ثم قال انظري إلي نفسك .
نظرت، فإذا بالحبيبات الملونة تملأ جسدي، قد منحتني الفراشات ألوانها دون أن تموت، فرحت، ابتسمت، ضحكت، قهقهت. قهقه معي بصوت عال، تمنت أن لا أعود!
رقم (4) الزوجي!
أكون أو لا أكون؟ هذا هو السؤال
أعود أو لا أعود؟ هذا هو السؤال.
رقم (5) الفردي
لم أكن أعرف الطريق حين وضعت كفيَّ الصغيرتين علي طرف الدرجة الأولي من السلم الطويل المؤدي إلي كوكبته، كانت تلمع كالأفق يجري اللمعان نحوي، يسرق مني شيئا ما، شيئاً من طفولتي، فأصبح أقوي.. أقدر.. أصمد أكثر.. أصعد أكثر، تثقل الدرجات أتثاقل.. أتعب.. أسترخي.. أنام، أصحو.. تنمو عضلاتي الفكرية.. أصعد أكثر.. أكثر.. أكثر..
الدرجة المرآة أمامي، لا أدهش لفقد ضفائري... وحصولي علي جسد امرأة، لم أكن أحب الوصول إليه دون ذلك.
علي آخر الدرجات كتبت عبارة:
إن الشمس تزور هذه الكوكبة عاماً، ثم تهجرها عاماً آخر .
وجدت الشمس في زيارتها السنوية، وجدته، ووجدت امرأة أعرفها.
خرجت من حبسها الطويل، رمقتني بغضب أنثوي وتمسكت بذراعه.
علي البعد أهداني ابتسامته التي أعشقها ومضي وإياها يراقصان قرص الشمس حتي غاب.. وغابا.
بقيت وحدي والظلام الذي يدوم عاما.. لابد أن أعود.
رقم (6) الفردي:
ينهمر الماء بقوة علي رأسي، ذلك ما أحتاجه حقا يطهرني من كل الألوان، الحبيبات، الخطوط، النقوش، يطهرني من كل أحلامي الحمقاء بالأرقام الزوجية، فالجناحان الملونان ما هما إلا جناح وجناح تملكهما الفراشة وحدها وليس البشر، أنا الآن امرأة عاقلة!
توشحت بالسواد، وخرجت وقد خرج الجميع من صياصيهم وتجمعوا حولي، رجل أدعوه أبي، وامرأة أدعوها أمي، وشخوص لكل منهم اسم وكنية.
دارت فناجين القهوة الساخنة ومايزال فنجاني فارغا.
ظهر بين الجمع وتحدث بصوت مسموع.
أعتذر عن ذلك الاعتذار.. هل تعودين؟!
وأنا أقبل كل اعتذاراتك.. وأعود.
هلل الرجال وزغردت النساء لأني امرأة عاقلة.
جلس بجانبي وسط ترحيب جماعي، همست في أذنه.
هل تعرف حل المعادلة 1+1؟
باستغراب أجاب 2 طبعاً
أبداً، هذا خطأ شائع. اسمع 1+1=1+1.
باستغراب أعمق، ودهشة أشد، نظر إلي؟!
اطمئن فأنا امرأة عاقلة ولن أخبر أحداً بذلك!
منقول