إنه لسؤال ملحّ إلى حد ما ، لأن المعروف عن كتابات السيميائيين ازدحامها بالمصطلحات ، قال أحد النقاد ، بعبارة لا تخلو من البراعة : (( تخبرنا السيميائية عن أشياء نعرفها ، لكن بلغة لن نفهمها أبداً )) .
قد يبدو أن السيميائيين يؤلفون نادياً خاصاً ، لكن اهتماماتهم لا تعنيهم دون غيرهم ، لا يجدر بأي امرئ يهتم بكيفية تمثيل الأشياء أن يتجاهل معالجة تركز على سيرورة التمثيل وتطرح إشكالاته . حتى الذين لا يقبلون بموقف أنصار ما بعد الحداثة ـ أن لا وجود للواقع خارج منظومات الإشارات ـ قد تساعدهم السيميائية على أن يعوا أكثر دور الوسيط الذي تقوم به الإشارات ، والأدوار التي نقوم بها نحن والآخرين في تشييد الواقع الاجتماعي . وقد يقلل ذلك من احتمال أن نكون متأكدين من أن الواقع بأجمعه مستقل عن التفسير البشري له . وقد يقودنا تفحص منظورات السيميائية إلى الإدراك أن المعلومات ، أو المعاني ، لا ((يحتويها)) العالم أو الكتب أو الحواسيب أو وسائل الاتصال السمعية البصرية . المعنى لا ((يُنقل)) إلينا ، نحن نولّده ، مستندين في ذلك إلى شيفرات واصطلاحات لا نعيها عادة . وإن وعي هذه الشيفرات هو في حد ذاته مشوق ويزيد من قدراتنا العقلية . نتعلم من السيميائية أننا نعيش في عالم من الإشارات ، وأنه لا يمكننا فهم أي شيء إلا بوساطة الإشارات والشيفرات التي تنظمها . عند دراسة السيميائية نعي أن هذه الإشارات والشيفرات تكون عادة شفافة وتُخفي أننا نقوم بقراءتها . ولأننا نعيش في عالم تتزايد فيه الإشارات المرئية ، نحتاج أن ندرك أنه حتى الإشارات الأكثر واقعية ليست كما تبدو . عندما نزيد من وضوح الشيفرات التي تفسر بوساطتها الإشارات ، يصبح بإمكاننا أداء الوظيفة القيمة للسيمياء ، أي إزالة التطبيع عن الإشارات . ولا نريد أن يُفهم من ذلك أن جميع ممثليات الواقع في منزلة واحدة ، بل على العكس ، إن الإشارات ، بتحديدها صيغ الواقع على أنواعه ، تقوم بأدوار أيديولوجية .
قد يكشف تفكيك العلاقات بين الإشارات وصيغ الواقع ، ومساءلتها ، مَن هم أصحاب الصيغ المحظيّة وأصحاب الصيغ المَقصيّة . ويتطلب هذا النوع من الدراسة تفحّص قيام مجموعات اجتماعية معينة بتشييد الواقع وصيانته . إن الاستغناء عن دراسة الإشارات يعني أننا نترك للآخرين التحكم بعالم المعاني الذي نعيش فيه .