أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إقامة ما يسمى بدولة "الخلافة الإسلامية" في شمال سوريا وشرق العراق يوم 10 حزيران/يونيو الماضي. في هذه السلسلة الخاصة، يتحدث أشخاص من مختلف الشرائح الاجتماعية إلى الشرفة عن قسوة الحياة تحت ظل داعش وكيف سيعملون على منعه من تأسيس موطئ قدم له في المناطق التي يدّعي السيطرة عليها.
أكد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر في حزيران/يونيو الماضي أن تجنيد الأطفال في سوريا ما يزال مستمرا .
ويستعرض التقرير الذي صدر تحت عنوان "قد نعيش وقد نموت: تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل الجماعات المسلحة في سوريا"، تجربة 25 طفلا رووا تفاصيل تجنيدهم من قبل جماعات مسلحة بينها تنظيم ما يعرف بـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) وجبهة النصرة وأحرار الشام والجبهة الإسلامية.
وجاء في التقرير أن "الجماعات الإسلامية المتطرفة بينها داعش عمدت إلى تجنيد الأطفال بشكل خاص من خلال حملات تعليم مجاني تشمل التدريب على الأسلحة، وأسندت إليهم مهمات خطيرة بينها تنفيذ عمليات انتحارية".
وقال أحد الأطفال "ماجد" البالغ من العمر 16 عاماً، إن جبهة النصرة في درعا جندته هو وصبية آخرين في منطقته، ووفرت لهم التعليم المجاني في مسجد، تضمن تدريبا عسكريا وتدريبا على رمي الرصاص.
أما عمرو وهو فتى من إدلب يبلغ 17 عاما جند من قبل أحد الفصائل الإسلامية التي انضمت لاحقا إلى داعش، فقال إن القادة طلبوا من جميع الأطفال والبالغين على حد سواء التوقيع على كشف تطوعي لأداء عمليات انتحارية.
وأضاف عمرو أنه اضطر إلى تسجيل اسمه لأنه أحس بضغوط اجتماعية تلزمه بذلك.
المدرسة حسب داعش هي ’مركز للتجنيد‘
ووصف مواطنون سوريون تحدثوا إلى الشرفة الأثر الذي يتركه التجنيد وحكم جماعات كهذه على الأطفال.
وروى التاجر السوري محمود الأدلبي المقيم حاليا بالقاهرة، أنه هرب من مدينة حلب منذ أربعة أشهر بعد أن ضاق به العيش هناك مع عائلته في ظل حكم داعش .
وقال للشرفة، "لقد كان العيش تحت حكم داعش مستحيلا خصوصا تعليم ولدي الاثنين في المدارس الخاضعة لسيطرة هذه الجماعات المتطرفة".
وأوضح الأدلبي أن ابنيه التحقا بالمدرسة الحكومية التي كانت تسيطر عليها داعش في منطقتهم، وقال: "المدرسة حسب مفهوم داعش هي مركز للتجنيد لا أكثر ولا أقل، حيث تكون ساعات الدرس هي الدروس الأولية التي يتم فيها غسل عقول الطلاب خصوصا الصغار منهم وتدريبهم على تلقي الأوامر وتنفيذها دون أي اعتراض، وتحفيظهم القرآن بطريقة آلية دون فهم بالإضافة إلى عشرات الفتاوى التي تحرض على القتل وسفك الدماء".
وباختصار، وفقا للأدلبي، فإن تجنيد الأطفال يعتبر أحد أكبر مخططات داعش لضمان وجودها على المدى الطويل في سوريا والمنطقة.
وأضاف "أشكر الله كل يوم أنني استطعت الخروج من سوريا".
’استبدال المواد العلمية بالدروس القتالية‘
من جهته، قال سفيان الحلاني وهو من أهالي الرقة يعمل حاليا كبائع متجول بعد أن فقد عمله في إحدى شركات المحاسبة، إنه يفضّل أن يدرّس أولاده في المنزل على أن يرسلهم إلى المدارس التي يديرها تنظيم داعش.
إلا إن الأمر مستحيل كما وصفه الحلاني، "فمجموعات داعش في الرقة لديها لوائح الطلاب في كل مدارس المنطقة وقد حصلت عليها من الإدارات التعليمية التي سيطرت عليها، وباتت تلاحق الطلاب لتتأكد من التحاقهم في المدارس".
ولفت إلى أن الأطفال في المدارس باتوا يخضعون لغسل الأدمغة من خلال المناهج الجديدة التي تطبقها داعش، والتي استبدلت المواد العلمية بالدروس القتالية.
وبالفعل، عمدت داعش إلى إلغاء مقررات العلوم والأحياء ومناهج التربية الإسلامية والتربية الوطنية والتاريخ والجغرافيا، واستبدلتها بكتب حول شروحات الفكر الجهادي السلفي، فضلا عن مناهج تحفيظ القرآن وشروحه المتطرفة، كما قال للشرفة الأستاذ المتقاعد في الرقة محمود الأمين.
وأشار إلى أن التنظيم "يحرص على تدريب الطلاب على الطاعة العمياء للمدرسين ومسؤولي وأمراء داعش".
وغالبا ما يتم اختيار مجموعات من الطلاب لإخضاعهم لدورات عسكرية تدريبية، حيث يجري إلحاق المميزين منهم بالمجموعات الجهادية والتعلم على استعمال السلاح وإطلاق النار، بحسب الأمين.
وأضاف، "أما العلوم ومواد الحساب فتدرس لبعض الطلاب فقط كجزء من التدريب العسكري لمساعدتهم على تحديد المناطق والتعامل مع الصواريخ وغيرها".
ولفت الأمين إلى أن مقاربة داعش للتعليم طالت الزي المدرسي التقليدي ليحل مكانه الزي الشرعي، وهو عبارة عن الحجاب للطالبات والمعلمات وزي شبيه بالزي الأفغاني للطلاب والمدرسين.
كذلك منع الاختلاط وألغيت جميع العطل الرسمية والدينية التي كان معمولا بها سابقا، وعدلت العطلة الأسبوعية من يومي الجمعة والسبت إلى يومي الخميس والجمعة.
وأعرب الأمين عن قلقه من أن تشكل سيطرة داعش على المؤسسات التعليمية "خطرا حقيقيا على مستقبل السوريين". وقال، "تحولت المؤسسات التعليمية إلى مراكز لغسل أدمغة الأطفال الصغار لتجعل منهم قنابل موقوتة متنقلة قد تنفجر في أي زمان ومكان".
’البعض يتحدث عن الموت والاستشهاد وكأنهما نزهة في إحدى الحدائق‘
واختبر طالب الطب في جامعة دمشق نور الدين الجمّال بشكل مباشر كيف تؤثر عملية غسل العقول على الأطفال.
وأكد الجمّال المتطوع في إحدى مستشفيات دير الزور الميدانية للشرفة، أنهم كثيرا ما يستقبلون في المستشفيات الميدانية والمراكز الصحية أطفالا مصابين بطلقات نارية أو بشظايا قذائف مدفعية.
وقال "إن بعض المصابين الأطفال كانوا يبدون فرحين بإصابتهم كونها دليلا على الجهاد [...]، حتى إن بعضهم يتحدث عن الموت والاستشهاد وكأنه نزهة سيقوم بها إلى إحدى الحدائق أو الملاهي".
وكان الجمّال يسأل هؤلاء لماذا يقاتلون مع داعش أو النصرة أو غيرها من التنظيمات الإسلامية، فيردّون عليه، "لإقامة دولة الخلافة"، أو "لتنفيذ شرع الله"، أو "للاستشهاد في سبيل الله".
وفي هذا السياق، قال الدكتور وائل الشريمي، الباحث في مركز الدراسات الإقليمية الاستراتيجية، إنه بعد مرور ثلاث سنوات على الثورة السورية تزداد قضية تجنيد الأطفال خطورة.
وأضاف: "عدد كبير وغير محدد من الأطفال يكبرون في ظل هذا الصراع ومع انتشار الجماعات المسلحة المتطرفة فمن الطبيعي أن يكبر هؤلاء الأطفال على الأفكار السوداء، فيصبح الفكر الجهادي المتطرف هو الفكر الصحيح بالنسبة لهم بعد إخضاعهم لعملية غسل العقول، ويتكون جيل مجاهد جديد".
ووفقا للشريمي، "هذا هو الأمر الذي تعول عليه القاعدة والتنظيمات الشبيهة بها في تجنيدها للأطفال ".
وعن هذه المسألة قال البائع الجوال الحلاني، "بات واضحا أن حياة الأطفال تحت حكم خلافة داعش تعني التجنيد وعملية تفريخ للعناصر القتالية على نحو مستمر، وأنا ومعظم أهالي المناطق الواقعة تحت حكمهم نرفض تجنيد الأطفال رفضا قاطعا".
منقول