بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من المفروض أن يتولّى الإمام علي (عليه السلام) قيادة الأمّة وإدارة شؤونها كإمام وخليفة نصَّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواقف وموارد عديدة كحادثة غدير خم المشهورة؛ إلاّ أنّ ما حدث هو صرف الخلافة عن الإمام علي ومبايعة غيره في سقيفة بني ساعدة بينما كان الإمام مشغولاً بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يعترف الإمام في البدء بما حدث وامتنع عن البيعة لكنه لمّا رأى أنّ إصراره على المطالبة بحقّه في الخلافة يهدِّد بخطر انقسام الأمّة ويتيح الفرصة للقوى المعادية للإسلام، آثر مصلحة الرِّسالة وسكت عن حقِّه وبايع من تولَّوا أُمور المسلمين، يقول (عليه السلام):
« أمّا بعدُ، فَإنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ـ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ـ نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَمُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ، فَلَمَّا مَضَى(عَلَيهِ السَّلامُ) تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوَعِي، وَلا يَخْطُرُ بِبَالِي، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الأمْرَ مِنْ بَعْدِهِ ـ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ـ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ! فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ إِنْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلانٍ يُبَايِعُونَهُ فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإسلام، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّدٍ ـ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ـ فَخَشَيْتُ إنْ لَمْ أَنْصُرِ الإسلام وَأَهْلَهُ أنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وَلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنمَّا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلائِلَ»
وقد حاول البعض دفع الإمام وتحريضه على التصدِّي للخلافة كحقٍ شرعي له، ولكن بصيرة الإمام النّافذة وإخلاصه للمصلحة العامة جعلته أسمى من الاستجابة لذلك التحريض.
يروي ابن الأثير في[تاريخه]: أنّ أبا سفيان أقبل وهو يقول: إنّي لأرى لجاجة لا يطفئها إلاّ دم، يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلان علي والعباس؟ ما بال هذا الأمر في أقلّ حيّ من قريش؟.
ثمّ قال لعلي: أبسط يدك أبايعك فوالله لئن شئت لأملأنّها عليه خيلاً ورجلاً. فأبى علي وزجره وقال: والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة وإنّك والله طالما بغيت للإسلام شرّاً لا حاجة لنا في نصيحت.