عد القطاع السابع من مدينة الصدر (الثورة سابقاً)، من القطاعات المميزة في المدينة، ذلك لأن الله حباه بوضع جغرافي خاص دون سائر قطاعات المدينة الاخرى، حيث شكل موقعه وضعاً لافتاً للنظر، وموقع حسد من القطاعات الاخرى (على الرغم من تميز القطاع الرابع عليه "دور ضباط صف الجيش العراقي"، بالنظافة والتبليط والمجاري والبيوت الرصينة الموحدة، وشبكة الهاتف), اذ وضعته الخطط المعدة للمدينة في موقع متميز انعكس بلاشك على الكثير من حياة الناس فيه وساكنيه بشكل خاص والمدينة عموماً، ذلك لأنه كان أقرب قطاع من قطاعات المدينة الى الجسر، الذي يربط المدينة بطريق منطقة النهضة وشارع فلسطين، مما يتيح له ولساكنيه استغلال الجسر للعبور راجلين دونما مشقة او تعب في حالات الطوارئ او الاحداث ومنها الانقلابات وقتذاك، وغيرها.. اي حين تتوقف حركة مركبات النقل لا يجد ساكنوه مشقة في الوصول الى أعمالهم، او التحرك باتجاه المناطق الأخرى.
فضلا عن محاددته منطقة جميلة الصناعية، التي عدت احدى اهم المناطق الصناعية الذي حددها تصميم مدينة بغداد الأساسي لعام (1957).. من قبل الفريق البولوني، الى جانب المناطق الصناعية في مناطق الكاظمية والبياع والزعفرانية والكمالية.. وهذه المنطقة (اي جميلة) حوت معامل عديدة أبرزها (معامل السبوس ومعامل الحلويات- الجكليت والنعناع والحامض حلو والنستلة ومعمل البلاستك الوطني والمناديل الورقية والمثلجات (ابو العودة) والعصائر ومعمل الثلج الذي كان يعود لأحد عقداء الجيش العراقي وهو العقيد ناظم ومعامل اخرى).. وقد قدمت هذه المعامل خدمات كثيرة لابناء القطاع السابع والقطاعات الاخرى التي تحادد المنطقة مثل (8و9) وغيرها، حيث عملت في تلك المعامل اعداد كبيرة من العاملين، واحتوت بعض كفاءات المدينة الاخرى واصحاب المواهب، حيث عمل في معمل البلاستك الوطني (الاكياس والصوندات) الفنان الكبير سامي قفطان وعدد من زملائه...
ووزع القسم الثاني من المنطقة المحاذية لقناة الجيش والواقع بين جسري النهضة وباب المعظم، قطعاً سكنية على بعض موظفي الدولة الكبار من مدنيين وعسكريين وبواقع (600)م لكل قطعة، واصبح حياً راقياً وجميلاً بساكنيه وبيوته الجميلة التي صممت على وفق خرائط وتصاميم حديثة وبديعة . هذا الحي سمي في ما بعد بحي المحافظ، نسبة الى سكن خير الله طلفاح فيه، حيث اختار موقعاً لبيته بمقدار قطعتين، يطل على الشارع العام الذي يتوسط المنطقة ويفصل المنطقة الصناعية عن المنطقة السكنية، ووضع عليه نقاط حراسة..
وهو احد عشرات البيوت التي استولى عليها في انحاء عديدة من البلاد او تملكها، سواء عن طريق الدولة او عن طريق اغتصابها من اهلها.
وقد سمي الشارع باسمه على الرغم من اشتهاره بأسم خط (71) نسبة الى مرور خط حافلة نقل الركاب الرقم (71)الذي ينطلق من باب المعظم الى حي الأمانة، وكان يخدم طلبة الجامعة المستنصرية والكليات الأخرى في الباب المعظم والدوائر وغيرها.
وقد وفر هذا الحي وهذه المنطقة فضلاً عن العمل، الاحتكاك بسكنة الحي الراقي، من انتقال بعض طلبته الى المدارس الواقعة فيه الابتدائية والمتوسطة والثانوية، والدوام فيها، حيث انتظم عدد كبير من ابناء القطاع بالدوام في مدرسة (ابن جبير) الابتدائية للبنين وهي مدرسة انيقة، وان كانت بنيت على الطراز الموحد للمدارس الابتدائية انذاك وشكل عدد الطلبة المقبولين في متوسطة القادسية رقماً كبيراً، حيث كانت احد مناهل العلم التي لها حصة من أبناء المدينة لقلة المدارس المتوسطة فيها فقد كانت تستوعب مع متوسطات / الثورة وقتيبة والمصطفى وبور سعيد/ أعداد الطلبة الذين اجتازوا امتحان بكالوريا السادس الابتدائي، وقد اهلت الكثير منهم الى الاعداديات.
علاوة على ثانوية البتول للبنات، التي اصبحت من الثانويات المتميزة في حياة المدينة، اذ كانت نقطة انطلاق فتيات المدينة نحو الجامعات العراقية لاسيما (بنات القطاع السابع)، اللائي شكلن الغالبية في تلك الثانوية العتيدة، التي اصبحت احدى مثابات الابداع، اذ خرجت الكثير من الطالبات اللواتي اصبحن اما طبيبات او مهندسات او محاميات، او مربيات فاضلات في المدارس والمتوسطات والثانويات.. وقد منح هذا الاحتكاك من خلال المدارس بمراحلها كافة وثانويتي القناة للبنين والبنات، الواقعتين في حي (14) تموز، اي في الجانب المقابل للمدينة والملاصق لها بعد قناة الجيش، مزية التعرف على المتغيرات في الحياة المدنية العراقية سواء في الأزياء الجديدة، ام الاثاث والمظاهر المدنية الاخرى، (مثل الموضة او الآشياء المنزلية والحياتية) والتعامل معها بوعي وتفهم وعقلانية، دونما الانجرار والخداع ببريقها. واكمل حي الأمانة الذي تزامن مع انشاء الضفة المقابلة من شارع فلسطين ببيوت ضخمة وحديثة حلقةالاحاطات الراقية بالقطاع.
نشاطات سياسية
لقد انعكس ذلك على العلاقات والتوجهات والتعامل والسلوك، وقد تيسر للقطاع ساكنون من مختلف طبقات وفئات ومذاهب وقوميات المجتمع العراقي، وشكلوا نسيجاً نوعياً واجتماعياً خاصاً، شأنه شأن قطاعات المدينة الاخرى، ولكنه اختلف عنها بالنشاط السياسي اللافت، الامر الذي دعا القوات الحكومية في العهد العارفي الى ارسال قوات مدرعة للمرابطة في المدينة واعتقال السياسيين من أبنائها سواء المنخرطين في الحزب الشيوعي العراقي ام الاحزاب والحركات الاسلامية الاخرى، وقد اعتقل عدد منهم , من بينهم الشاب قحطان الذي سكن القطاع مستأجراً احد بيوته مع شقيقاته السبع ووالدته..
واللائي كن من العناصر المثقفة والمتنورة، ، وكانت احدى عوائل القطاع الطيبة، مع عائلة ابو عادل المعلم اليساري الذي هو الآخر كان مستأجراً في القطاع.. وعائلة الحاج جاسم الدليمي، الذي مازال احفاده يتفاخرون بانتمائهم الى القطاع .. واثبت شباب القطاع مذاك بانهم قدوة في السلوك والتعامل، وأبدوا مهارات ومواهب جعلتهم محل احترام وتقدير عوائل ووجوه القطاع، والقطاعات الاخرى، فكان بينهم الرياضي والفنان والسياسي والمثقف والاديب،. لقد دخلت الدبابات الى افرع القطاع ورابطت في اركانه ومخارجه ومداخله والانحاء المحيطة والمجاورة من القطاعات الآخرى , في مشهد استفزازي لعوائله , ومرعب لاطفاله ونسائه , على مدى ثلاثة ايام لملاحقة العناصر السياسية والشباب الثوري خلال مرحلة التحالف بين حزب البعث وعبد السلام عارف الذي ادى الى الانقلاب الغادر في الثامن من شباط العام (1963)على الزعيم عبد الكريم قاسم ورجال ثورة (14) تموز, واعتقلت العديد من ابنائه وزجتهم في مراكز الشرطة ورحلت بعضهم لمعتقلات اخرى, تاركة ذكرى أليمة في نفوس رجاله وعوائله, ولكنها ظلت مواقف خالدة في ذاكرتهم.
عبد الكناني
منقول