يُعَدُّ النظام البيئي أكثر مستويات التنظيم تعقيدًا في الطبيعة، ويتكون من المجتمع الأحيائي وبيئته اللاحيوية، متضمنًا المناخ،
والتربة، والماء، والهواء والمواد المغذية، والطاقة. ويُدْعى علماء البيئة الذين يحاولون أن يربطوا بين هذه العوامل ويحللوا
الأنشطة الكثيرة الفيزيائية والكيميائية المختلفة في بيئة ما علماء الأنظمة البيئية. وتركز دراساتهم على تدفق الطاقة ودوران
المواد خلال الأنظمة البيئية. وفي بعض الأحيان يستخدمون حواسيب دقيقة لتساعدهم على فهم نتائج الأبحاث التي حصلوا
عليها.
تدفُّق الطاقة. يرتب علماء البيئة العناصر التي تكون أو تؤثر في النظام البيئي في ستة أجزاء رئيسية، تعتمد على تدفق
الطاقة، والمواد المغذية خلال النظام: 1-الشمس 2-المواد غير الأحيائية 3-الكائنات المنتجة الأولية 4-الكائنات المستهلكة
الأولية 5-الكائنات المستهلكة الثانوية 6- المحللات أو المفككات. وفي هذه المقالة يمكن أن يوجد شكل مبسط للنظام البيئي.
تمد الشمس الكائنات المنتجة الأولية بالطاقة التي تحتاج إليها لصنع الطعام. وتتكون الكائنات الأولية بصفة رئيسية من
النباتات الخضراء مثل العشب والأشجار التي تصنع الغذاء من خلال عملية التركيب الضوئي. انظر: التركيب الضوئي. وتحتاج
النباتات أيضًا مواد لاحيوية مثل الفوسفور والماء لتنمو. وتتضمن الكائنات المستهلكة الأولية الجرذان والأرانب والجنادب
والحيوانات الأخرى آكلة العشب. وتأكل الثعالب وحيوانات ابن عُرس والكائنات المستهلكة الثانوية الأخرى ـ أو الكائنات
المفترسة ـ الحيوانات. وتكسّر المحللات مثل البكتيريا والفطريات النباتات والحيوانات الميتة إلى مواد مغذية بسيطة. وترجع
المواد المغذية ثانية إلى التربة، وتستخدمها النباتات مرة أخرى.
ويطلق على سلسلة المراحل التي تمر بها الطاقة على هيئة طعام، السلسلة الغذائية. ومن المفروض أن تكون السلسلة
الغذائية البسيطة واحدة حيث يكون فيها العشب هو المنتج الأولي، ثم يأكل العشب الكائن المسمى المستهلك الأولي مثل
الأرنب. ثم يأكل المستهلك الثانوي مثل الثعلب أو الصقر بدوره الأرنب، وتكسّر البكتيريا المحللة البقايا الميتة التي لم تؤكل
من الأعشاب والأرانب والثعالب والصقور، وأيضًا فضلات الأجسام التي تنتجها الحيوانات في السلسلة الغذائية.
تملك معظم الأنظمة البيئية مجموعة متنوعة من الكائنات المنتجة والمستهلكة والمحللة التي تكوّن شبكة من السلاسل
الغذائية المتداخلة فيما بينها تسمى الشبكة الغذائية. وتبدو الشبكات الغذائية معقدة بصفة خاصة في الأنظمة البيئية
للمناطق الحارة والمحيطات.
تعتمد بعض الكائنات الحية على أشياء كثيرة في غذائها، إلا أن بعضها الآخر مثل الكائنات الأولية المستهلكة، تعتمد على نوع
نباتي واحد في غذائها، وعند اختفاء هذا النوع النباتي فإن الكائن الأوّلي يختفي أيضًا.
تتحرك الطاقة خلال النظام البيئي عبر سلسلة من التحولات. أولا: تحول الكائنات المنتجة الأولية طاقة ضوء الشمس إلى
طاقة كيميائية تخزن في بروتوبلازم النبات (مادة الخلية الحية)، ومن ثم تنتقل الطاقة المخزونة في النباتات إلى الكائنات
الأخرى على هيئة طعام، وتحولها الكائنات المستهلكة الأولية إلى أنواع مختلفة من الطاقة الكيميائية، وتخزنها في خلايا
أجسامها. وتتحول هذه الطاقة من جديد حينما تأكل الكائنات المستهلكة الثانوية، الكائنات المستهلكة الأولية.
ولمعظم الكائنات فاعلية بيئية منخفضة. ويعني هذا أنها قادرة على تحويل جزء صغير فقط من الطاقة المتوافرة إلى طاقة
كيميائية مخزونة. وعلى سبيل المثال، يمكن للنباتات الخضراء أن تحول فقط 0,1 - 1% من طاقة الشمس التي تصل إليها في
برتوبلازم النبات. وتحترق معظم الطاقة الباقية أثناء نمو النبات، وتتسرب في البيئة على هيئة حرارة. وبالمثل تحول آكلات
الأعشاب، وآكلات اللحوم في خلايا أجسامها الخاصة بين 10 - 20% فقط من الطاقة التي ينتجها طعامها.
ولأن مثل هذه الكمية الكبيرة من الطاقة تتسرب في كل مستوى من السلسلة الغذائية، فإن جميع الأنظمة البيئية تكوّن
أهرامًا للطاقة. وتكون النباتات (الكائنات المنتجة الأولية) قاعدة هذا الهرم. وتكون آكلة الأعشاب (الكائنات المستهلكة الأولية)
الدرجة التالية. وتكون آكلة اللحوم (الكائنات المستهلكة الثانوية) القمة، ويعكس الهرم، حقيقة أن الطاقة تمر خلال نباتات
الأنظمة البيئية بكميات أكبر مما تمر خلال الحيوانات آكلة الأعشاب. وتتدفق الطاقة حتى درجة أقل من ذلك خلال الحيوانات
آكلة اللحوم. وفي كثير من أنظمة الأرض البيئية، ينتج عن هرم الطاقة هرم البيوماس (الكتل الأحيائية)، ويعني هذا ببساطة
أن الكتل الأحيائية المجتمعة الوزن للنبات أكبر من الوزن المجتمع للحيوانات آكلة الأعشاب، الذي بدوره يفوق الوزن الكلي للحيوانات آكلة اللحوم.
جمع علماء البيئة المعلومات عن هرم الكتل الأحيائية في إيزْل رويال، وهي جزيرة في بحيرة سوبيريور بالولايات المتحدة
الأمريكية. ودرسوا في هذا الهرم العلاقة بين النباتات والموظ والذئاب. ووجد علماء البيئة في إحدى الدراسات أنه يلزم تدبير
346كجم من الغذاء النباتي لإمداد 27 كجم من حيوان الموظ. وهي الكمية اللازمة لتدعيم 0,45 كجم من ذئب واحد.
دورة المواد. تتكون كل الأشياء الحية من بعض العناصر والمركبات الكيميائية. والمواد الرئيسية بينها: الماء، والكربون،
والهيدروجين، والنيتروجين، والأكسجين، والفوسفور، والكبريت. وتدور كل هذه المواد خلال الأنظمة البيئية مرات ومرات.
وتعطي دورة الفوسفور مثالاً لهذه العملية، فكل النباتات تحتاج الفوسفور، وتأخذ النباتات مركبات الفوسفور من التربة. أما
الحيوانات فتحصل عليها من النباتات والحيوانات الأخرى التي تأكلها، وتعيد المحلِّلات الفوسفور إلى التربة.
وفي الطبيعة تبقى كمية الفوسفور ثابتة تقريبًا في الأنظمة البيئية المتزنة، ولكن عندما يضطرب النظام البيئي بسبب
الأنشطة البشرية، فإن كمية من الفوسفور تتسرب مؤدية بذلك إلى خفض قدرة النظام البيئي على دعم النباتات. ومن
الطرق التي يغيِّر بها الناس دورة الفوسفور تحويل الغابات إلى أراضٍ زراعية. وبدون حماية الغابات، فإن الفوسفور ينزح من
التربة ويتحول إلى الأنهار والبحيرات. وهناك يسبب غالبًا زيادة غير مرغوبة في نمو الطحالب. وفي النهاية يحبس الفوسفور
في ترسبات عند قاع البحيرات أو البحار. وبسبب هذه الخسارة يتحتم على المزارعين استخدام مخصبات باهظة التكلفة لإعادة العنصر ثانية إلى التربة.
التغيرات في الأنظمة البيئية. تحدث التغيرات يوميًا، وفصليًا، وعلى مدى سنوات عديدة كما في حالة التتابع البيئي، وأحيانًا،
تحدث التغيرات بشدة وفجأة، مثلما تنتشر النار خلال غابة، أو يضرب إعصار شاطئ البحر. ولكن معظم التغيرات اليومية وخاصة
في دوائر المادة المغذية، فإن الحق تبارك وتعالى جعلها تحدث في دقة متناهية، بحيث تظهر الأنظمة البيئية وكأنها ثابتة.
ولقد سمي هذا الثبات الظاهري بين النباتات والحيوانات من جهة وبيئتها من جهة أخرى اتزان الطبيعة.
وفي الماضي كان يُظن أن مفهوم الأنظمة البيئية المتزنة الثابتة يصف بدرجة كبيرة مجتمع الذروة، ولكن لأن هذه الآراء
المبكرة كانت تعتمد على الدراسات قصيرة المدى، فقد وجد أنها غير كاملة. والآن أتيحت ل علماء البيئة الفرصة لدراسة
الأنظمة البيئية على مدى فترات أطول، وكان عليهم أن يغيروا بعض أفكارهم.
وتشير النتائج التي اعتمدت على دراسة المجتمعات الأحيائية في إيزل رويال إلى بعض هذا التغير في التفكير. ولفترة طويلة
لم تكن إيزل رويال تملك أعدادًا من حيوان الموظ أو الذئاب، وبعدها سبح أول حيوان موظ إلى الجزيرة، وكان ذلك في عام
1900م تقريبًا. وبحلول عام 1930م قدر علماء البيئة أن أعداد الموظ وصلت إلى 3,000 رأس. وكانت هناك شواهد على أن
حيوانات الموظ كانت تأكل كميات كبيرة من النباتات الموجودة في الجزيرة. وفي عام 1933م، بدأ حيوان الموظ يموت من
الجوع. وتنبأ علماء البيئة بهذا الانخفاض؛ لأنهم فهموا العلاقة الغذائية بين حيوان الموظ والنباتات التي يأكلها.
تزايدت أعداد حيوان الموظ من جديد بين 1948- 1950م. لكن وفي هذا الوقت تقريبًا ، وجدت الذئاب طريقها إلى الجزيرة.
وبينما كانت الذئاب تقتل حيوان الموظ من أجل الطعام، إلا أن أعدادها بدأت تنمو. وفي النهاية كان يبدو أن اتزانا ثابتًا قد رسخ
بين نحو 600 حيوان من الموظ و20 ذئبًا. وأشار علماء البيئة إلى أن إيزل رويال مثال على الطريقة التي تتحكم بها الكائنات
المفترسة في ضحاياها، وبذلك تسهم في تطوير النظام والاستقرار في الأنظمة البيئية.
وفي أواسط الستينيات من القرن العشرين الميلادي بدأت أعداد الموظ والذئاب تتذبذب، وظهر النظام الثابت الذي تتحكم فيه
الكائنات المفترسة في ضحيتها ظاهريًا، وكأنه أكثر تعقيدًا. ويعترف علماء البيئة الآن أن نظرية تحكم المفترس الأساسي كانت
تعتمد على معلومات غير كاملة . وفي أثناء الخمسينيات من القرن العشرين حينما بدت الذئاب وكأنها تتحكم في أعداد حيوان
الموظ، كانت أوقات الشتاء تتميز بنمط غير عادي للجليد الكثيف يتبعه هطول الأمطار، ثم صقيع شديد مكونًا قشرة قاسية مما
جعل الذئاب تستطيع أن تجري بسهولة على سطحه. ولكن حيوانات الموظ ذات الأجسام الثقيلة كانت تكسر القشرة. مما
جعلها لا تستطيع أن تهرب بسهولة من الذئاب، ولا تقدر على استخدام حوافرها القوية بفعالية لتدافع عن نفسها.
وفي نحو عام 1965م، عادت أوقات الشتاء في إيزل رويال إلى حالتها الطبيعية. وكانت الذئاب تفترس أعدادًا قليلة من الموظ.
وفي أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، تزايدت أعداد حيوان الموظ بدرجة كبيرة جدًا، وفي نفس الوقت نمت أعداد الذئاب
أيضًا، ثم بدأت أعداد الذئاب في الانخفاض على الرغم من وجود حيوان الموظ بأعداد كبيرة. وبحلول آواخر الثمانينيات من
القرن العشرين خشي علماء البيئة أن تختفي الذئاب تمامًا من إيزل رويال. واضطرت كل هذه التغيرات ال علماء إلى إعادة
التفكير في كيفية تحكُّم الكائنات المفترسة والفريسة في الأعداد المتبادلة لهما. ويعترف علماء البيئة أنه على الرغم من أن
الذئاب وحيوانات الموظ يؤثر كل منهما في أعداد النوع الآخر، فإن هذا التأثير لا يحدث إلا في حالات معينة محددة وغير عادية.
وتدل الدراساعلم البيئة التطبيقيت البيئية الأشمل على أن التغييرات في توافر نباتات الطعام والمواد المغذية، ربما تكون لها
أهمية الذئاب نفسها في تنظيم أعداد حيوان الموظ. وبالنسبة للذئاب في جزيرة إيزل رويال يبدو أن التزاوج بين الأقارب
والأمراض ـ وليس نقص حيوانات الموظ ـ هما السببان وراء انخفاض أعداد الذئاب. وهكذا يبدو أن نماذج المفترس والفريسة
للتحكم في أعداد الحيوانات من المحتمل أن تَكون تبسيطًا مبالغًا فيه. وربما يبدو وكأنه حالة اتزان واستقرار ناشئة عن قوى مختلفة ومتغيرة.
تمتلئ الأنظمة الطبيعية بالآليات التعويضية التي بثها الخالق سبحانه وتعالى لكي تساعد على ثبات الطبيعة. وحينئذ تحتاج
أعداد المجموعات الأحيائية غالبًا أن تُفهم من منظور النظام البيئي الكلي.