قرأتُ وما غير الطبيعة من سِفرِ |
صحائفَ تحوي كل فن من الشعر |
أرى غرر الاشعار تبدو نضيدة ً |
على صفحات الكون سطراً على سطر |
وما حادثات الدهر الاَّ قصائد |
يفوه بها للسامعين فم الدهر |
وما المرء إلا بيت شعر عروضه |
مصائب لكن ضربه حفرة القبر |
تنظّمنا الايام شعراً وانما |
تردُّ المنايا ما نَظمن إلى النثر |
فمنا طويل مُسهب بحر عمره |
ومنا قصير البحر مختصَر العمر |
وهذا مديح صيغ من أطيب الثنا |
وذاك هجاء صيغ من منطق هُجر |
وربَّ نيام في المقابر زرتهم |
بمنهلّ دمع لا يُنهنهُ بالزجرِ |
وقفت على الاجداث وقفة عاشق |
على الدار يدعو دارس الطلل القفر |
فما سال فيض الدمع حتى قرنته |
إلى زفرات قد تصاعدن من صدري |
أسكان بطن الأرض هلا ذكرتم |
عهوداً مضت منكم وأنتم على الظهر |
رضيتم باكفان البلى حللاً لكم |
وكنتم أولي الديباج والحللِ الحمر |
وقد كنتم تؤذِي الحشايا جنوبَكمْ |
أمين أبي التدليس في القول حاكياً |
ألا يا قبوراً زرتها غير عارف |
بها ساكن الصحراء من ساكن القصر |
لقد حار فكري في ذويك وانه |
ليحتار في مثوى ذويك أولو الفكر |
فقلت وللأجداث كَفى مشيرة |
ألا ان هذا الشعر من أفجع الشعر |
وليل غُدافيَّ الجناحين بته |
أسامر في ظلمائه واقع النسر |
وأقلع من سفن الخيال مَراسياً |
فتجري من الظلماءِ في لُجَج خُضرِ |
أرى القبة الزرقاء فوقي كأنها |
رواق من الديباج رّصع بالدر |
ولولا خروق في الدجى من نجومه |
قبضت على الظلماء بالانمل العشر |
خليليَّ ما أبهى وأبهج في الرؤى |
نجوماً بأجواز الدجى لم تزل تسري |
إذا ما نجوم الغرب ليلا تغورت |
بدت أنجم في الشرق أخرى على الإثر |
تجوّلت من حسن الكواكب في الدجى |
وقبح ظلام الليل في العرف والنكر |
إلى أن رأيت الليل ولَّت جنوده |
على الدُهم يقفو إثرها الصبح بالشُّقْر |
فيالك من ليل قرأت بوجهه |
نظيم البها في نثر أنجمه الزهر |
فقلت وطرفي شاخص لنجومه |
ألا إن هذا الشعر من أحسن الشعر |
ويوم به استيقظت من هجعة الكرى |
وقد قدّ درعَ الليل صمصامهُ الفجر |
فأطربني والديك مُشج صياحه |
ترنمُ عصفور يزقزق في وكر |
ومما ازدهى نفسي وزاد ارتياحها |
هبوب نسيم سَجْسَج طيّب النشر |
فقمت وقام الناس كلٌّ لشأنه |
كأنا حجيج البيت في ساعة النفر |
وقد طلعت شمس النهار كأنها |
مليك من الأضواء في عسكر مَجر |
بدت من وراء الافق ترفل للعلى |
رويداً رويداً في غلائلها الحمر |
غدت ترسل الأنوار حتى كأنها |
تسيل على وجه الثرى ذائب التبر |
الى أن جلت في نورها رونق الضحى |
صقيلا وفي بحر الفضاء غدت تجري |
وأهدت حياة في الشعاع جديدة |
إلى حيوان الأرض والنبت والزهر |
فقلت مشيراً نحوها بحفاوة |
ألا ان هذا الشعر من ابدع الشعر |
وبيضة خدر ان دعت نازح الهوى |
أجاب ألال لبيك يا بيضة الخدر |
من اللاء يملكن القلوب بكلمة |
ويحيين ميت الوجد بالنظر الشزر |
تهادت تريني البدر محدقة َ بها |
اوانس إِحداق الكواكب بالبدر |
فلله ما قد هجن لي من صبابةة |
ألفتُ بها طيَّ الضلوع على الجمر |
تصافح احداهن في المشي تربها |
فنحر الى تحر وخصر الى خصر |
مررن وقد أقصرت خطوي تأدُّباً |
وأجمعت أمري في محافظة الصبر |
فطأطأنَ للتسليم منهنَّ أرؤساً |
عليها أكاليل ضُفرن من الشعر |
فألقيت كفي فوق صدري مسلّماً |
وأطرقت نحو الارض منحني الظهر |
وأرسلت قلبي خلفهن مُشيعاً |
فراح ولم يرجع إلى حيث لا أدري |
وقلت وكفى نحوهن مشيرة |
ومائدة نسجُ الدِّمقس غطاؤُها |
بمحلس شبان همُ أَنجم العصرْ |
رقى من أعاليها الفنغراف منبراً |
محاطاً باصحاب غطارفة غُر |
وفي وسط النادي سراج منوّر |
فتحسبه بدراً وهم هالة البدر |
فراح باذن العلم يُنطق مقولاً |
عرفنا به ان البيان من السحر |
فطوْراً خطيباً يحزن القلب وعظه |
وطوراً يُسرُّ السمع بالعزف والزمر |
يفوه فصيحاً بالُّلغا وهو أبكم |
ويسمع ألحان الغنا وهو ذو وقر |
أمين أبى التدليس في القول حافظاً |
تمر الليالي وهو منه على ذُكر |
فيالك من صنع به كل عاقل |
أقر لا ديسون بالفضل والفخر |
فقلت وقد تمت شقاشق هدره |
ألا إن هذا الشعر من أعجب الشعر |
وأصيد مأثور المكارم في الورَى |
يريك اذا يلقاك وجه فتى حر |
يروح ويغدو في طيالسة الغنى |
ويقضي حقوق المجد من ماله الوفْر |
تخوَّنه ريب الزمان فأُولعت |
باخلاقها ديباجتيه يد الفقر |
فأصبح في طُرْق التصعلك حائراً |
يجول من الاملاق في سملٍ طمر |
كأن لَم يُرح في موكب العز راكباً |
عتاق المذاكي مالك النهى والامر |
ولم تزدحم صِيدُ الرجال ببابه |
ولم يَغْمُرِ العافين بالنائل الغَمْرِ |
فظل كئيب النفس ينظر للغنى |
بعين مُقِلٍّ كان في عيشة المثرى |
إلى أن قضى في علة العُدم نَحْبه |
فجهّزه من مالهم طالبو الاجر |
فرُحتُ ولم يُحفَل بتشييع نعشه |
أشيّعه في حامليه إلى القبر |
وقلت وأيدي الناس تحثوا ترابه |
ونائحة تبكي الغداة وحيدها |
بشجو وقد نالته ظلماً يد القهر |
عزاه الى احدى الجنايات حاكم |
عليه قضى بُطلاً بها وهو لا يدري |
فويل له من حاكم صُبَّ قلبه |
من الجوْر مطبوعاً على قالب الغدر |
من الروم أما وجهه فمشوَّه |
وَقاح وأما قلبه فمن الصخر |
أضرَّ بعفّ الذيل حتى أمضَّه |
ولم يلتفت منه الى واضح الغدر |
تخطّفه في مخلب الجور غيلة ً |
فزجَّ به من مظلم السجن في القعر |
تنوء به الأقياد إن رام نهضة |
فيشكو الأذى والدمع من عينه يجري |
تناديهِ والسجانُ يُكثر زجرها |
عجوز له من خلف عالية الجُذْر |
بُنَى َّ أظنّ السجنَ مسِّك ضُرُّه |
بنيَّ بنفسي حلَّ ما بك من ضرّ |
بُنى َّ استعن بالصبر ما أنت جانياً |
وهل يخذل الله البريء من الوزر |
فجئت أعاطيها العزاء وأدمعي |
كأدمعها تنهلّ مني على النحر |
وقلت وقد جاشت غوارب عَبرتي |
ألا إن هذا الشعر من أقتل الشعر |