الفرح الحقيقي يصنع العيد للبشر في كل يوم
إضغط على مفتاح Ctrl+S لحفظ الصفحة على حاسوبك أو شاهد هذا الموضوع
مثقفون عرب يلتقطون من ذاكراتهم مشاهد العيد
الفرح الحقيقي يصنع العيد للبشر في كل يوم
أحمد حميدة
تاريخ النشر: الإثنين 28 يوليو 2014
عبير زيتون (رأس الخيمة)
اليوم عيد الفطر السعيد، والناس قد خرجت تهنئ بعضها في كل دار، وتصايح الأطفال في فرح، قد سبقوا الكبار بكل سرور وفخار.
.
في هذا اليوم تخرج من الذاكرة مشاهد من الماضي، مشاهد بهية شجية، تزهو بقصص تشكلت في ذاكرة العمر، وبقيت تحن لكل لحظة تخرجها طازجة من نبض الروح، حية دافئة مع كل عبارة تقطر بالمودة والحنان والأخوة عاشتها ذاكرة العمر مع لحظات العيد، عيد البهجة والفرحة بكل طزاجة معنى البراءة وفرحه.
هذه جولة مع قصص طفولة الذاكرة اخترناها بأقلام عربية مختلفة نفترش ساحاتها ونتشارك معانيها بكل معانيها حلوها وبؤسها.
.
لوحة تذكارية
تقول الكاتبة والروائية الإماراتية لولوة المنصوري: أطوف بمبخرة خشب العود، ويداي المخضبتين بالحناء تفتح حجرة تلو أخرى في البيت، في حركة دؤوبة لاختلاق فرحة للعيد الذي يهتف في وجه هذه السنة الجديدة المليئة بالأمل.
.
ولا شيء سوى الكثير من الأمل، وهاهو بابنا الذي يفتح أخيراً على الشمس والعصافير، وذكريات أطفال ملؤهم ألوان وحلوى وضحكات وغناء وفطرة وبراءة.
.
لكن، أجمل ما في العيد إذا تزامن قدومه مع المطر.
.
وأجمل الأمطار تلك التي تبلِّل لنا ثوب العيد الجديد، وتخرُّ لنا المرازيب، تملأ الحفر أمام البيوت بالبحيرات والبرك الصغيرة، تجمع لنا شمل أهل البيت تحت سقف واحد، وضحكة واحدة.
وتضيف المنصوري: يحدث غالباً في العيد أن أتذكر ذلك الطفل الفقير القافز بعيديته، ربط الكندورة البيضاء على خصره الضامر، وبخفة عصفور بدأ يتقافز بين البرك حافياً، تتساقط من جيبه الدراهم في الماء دونما استشعار نفادها كلها.
وأُدرك تماماً معنى الثوب الجديد لليتيم في العيد، كنكهة حلوى بعد العلقم المر، وأُدرك زينة الطفلة اليتيمة حين نمسح على شعرها بأكفنا الراجفة، فتكبر الطفلة فجأة أو نخال ذلك، ونمعن في تأملها كثيراً حين نغرس قبلة دافئة على رأسها، نتأمل تلك الدمعة المحبوسة في محجريها بكبرياء امرأة صغيرة.
ما أجملها من لوحة تذكارية، لو عُلِّقت على جدار الإنسانية!
وتتابع: لا أعرف كيف أكتب عن العيد في الزمن الراهن؟!
العيد مسألة روحية يثبت فيها الإنسان قضية وجوده على الأرض وإثبات حقه في الفرح بهذه العطية الإلهية، وكل ما أخشاه أن نكتب في المستقبل عن أعيادنا وكأنها أسطورة لزمن دافئ قد مضى بما حواه من قيم إنسانية عميقة.
مشهد قديم
وتقول الكاتبة السعودية فاطمة آل تيسان: من ذاكرة العيد استعارت فستانها، خاطته في زمن المستحيل، عندما كان الفرح يحل في الأعياد ومواسم الربيع والحصاد والآباء يروون الحكايا ويبثون الدفء في مراقد الصغار، يوم كن الجدات يسكبن البهجة في القناديل ويوزعنها على بيوت الحي، وقبل أن ترتديه سبقتها العثة وأكلت نصفه، بقي أسفله عاريا يمسح الأرصفة وبقايا دماء الهاربين من الموت، ضحكت قبل أن تبكي فقد لمحت العيد يلملم أرديته ويهرب خلسة، ذكرها بلص الحقول الذي سرق رائحة الليمون وبذرة القطن وزهر الياسمين.
طرقت باب جارتها لتعيرها إبرة وخيط، انبلج صوتها على خواء وقطا يموء، يداعب ذيله المقطوع، ويشم العطر في رداء سيده المعلق على جدار المنزل وقد تحول إلى لوحة جدارية بها صور أناس كثر يغنون للأعياد بلا صوت، حولهم شموع تحملها نساء أسبغن الحناء على كفوفهن وأشرعن جدايلهن للريح، اقتربت من القط داعبت ما تبقى منه وشرعت تحتفل به وتغني في سرها لقد مات العيد!
بهجة الأطفال
ويقول المترجم الجزائري حميد زنار: كلما حل يوم العيد أتذكر ذلك الطفل الذي كنته.
.
ويستبد بي وأنا في الغربة منذ عقدين ونيف حنين إلى زمن كان فيه الوطن جميلا.
.
كان العيد يومنا نحن الأطفال.
.
نستيقظ مع طلوع الفجر لنستقبل اليوم الذي يدللنا فيه أهلنا ونملأ الدنيا فرحاً وحبوراً.
.
نخرج كلنا في ألبسة جديدة ولا يحل المساء إلا وتكون جيوبنا الصغيرة مملوءة بقطع نقدية جاد بها العم والخالة والجد وكل من سارعنا نحوه لنهنئه بالعيد السعيد.
.
في يوم العيد أكاد أسمع تلك الأذكار الشجية التي كانت تنبعث من المسجد صباحا: «الله أكبر الله أكبر.
.
ربنا ولك الحمد» فتهب يوم العيد روحانية وبهجة.
.
فكل عام والأطفال بخير.
طعم الفرح
ويتذكر الكاتب عزالدين ميرغني من السودان العيد، فيقول: قريتنا وادعة ومسالمة آمنة، ككل القرى في الإقليم التي حولها.
تحيطها الأشجار، فهي عند فيضان النهر تصبح شبه جزيرة.
ينحسر فتزرع كل الوديان التي حولها.
تأتيها الطيور النادرة، وليلاً من الخلاء البعيد تهاجر الغزلان لتشرب من النهر سراً، والكل يعرف ذلك ولا تعترضها.
فقد تعلمنا من الطبيعة حب الحرية والجمال لنا ولغيرنا.
ضريح الشيخ من بعيد يقف شامخاً.
من وصاياه التي توارثناها، نفرح ونجعل كل أيامنا أعياداً لنا ولغيرنا.
وأن لا نسمح لغريب أن يسرق طعم الفرح من دواخلنا.
ويوماً اقترب العيد، وجاءت هدايا الآباء المسافرين لنا، وزاد فرحنا فرحاً، إلا طفلاً واحداً منا لم يأت والده للعيد، كان جندياً، وقيل بأنه استدعي لجبهة القتال.
لم نكن نفهم ما هي الحرب، وكيف يقتل الإنسان أخاه الإنسان.
فالموت كان عندنا غالباً ما يكون للكبار.
ونؤرخ به ونقول يوم مات فلان.
فجأة وصل عثمان أفندي موظف البندر الكبير، يزور أهله بعد سنوات.
جاء ببندقية للصيد، استغربنا، تبعناه في الخلاء، لأول مرة فزعنا ونحن نسمع دويها.
فزعنا ونحن نرى من حولنا دماء وجثث طيورنا الجميلة وأرانبنا البرية، وغزلاننا الصديقة، قال لنا الكبار هذه هي الحرب.
بدأنا نفقد طعم العيد والفرح، أشفقنا على والد صديقنا أحمد، قرر الكبار طرد عثمان أفندي.
غادر القرية وشعرنا بطعم العيد يعود لنا، ذهبنا كلنا لصديقنا وأعطيناه الزائد من هدايانا، ومعنا فرحنا فقد عاد العيد والفرح كما كان من زمان.
أيّ مفهوم للعيد؟
المترجم والكاتب أحمد حميدة من تونس، يقول: أويكون العيد ذلك الشّعور بالبهجة من خلال ما تقبل عليه النّفس من نعيم الأكل والشّرب والكساء، بعد شهر من الفطام عن تلكم النّعم؟ لقد حذّرنا اللّه تعالى من اعتباره كذلك في سياق حديثه عن التمتّع بنعم الحياة، فقال «والذين كفروا يتمتّعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنّار مثوى لهم» (سورة محمّد).
إنّما العيد، كما قال أديب العربيّة مصطفى صادق الرّافعي: «هو المعنى الذي يكون في اليوم، لا اليوم نفسه، إنّه يوم الشّعور بالقدرة على تغيير الأيّام.
.
».
وبهذا المعنى قد تكون الأيّام جميعها أعيادا، متى كانت منذورة لطاعة اللّه، متى تمثّل الإنسان معاني الخلافة في الأرض، وسعى إلى ما ينفع ويمكث، ليجعل الأيّام تتبدّل غير الأيّام.
ولكن واأسفاه، تبقى الأيّام هي الأيّام، نتأمّل من حولنا، فإذا بنا أمام فتنة معمّمة، وإذا بنا أمام مشهد يتعاظم فيه البلاء، على أيدي أولئك الذين يعتقدون بأنّهم في إدراكهم للحقيقة، قد عبروا جميع البحار، وهم يتخبّطون في بركة ماء، أولئك الذين جعلوا من الشّريعة صنما، وراحوا يعبدونه من دون اللّه، بقلوب مقفلة صمّاء، أولئك الذين انطفأت بداخلهم شعلة الرّوح، فراحوا يستبيحون دماء عباد اللّه، أصوليّة مقيتة، بغيضة، تفرّخ بذور الشرّ أينما حلّت، وتنفث سمّ التعصّب أنّى توجّهت، لتطفأ جذوة المحبّة، وتدفع بنضارة الحياة إلى مهاوي العدم والرّدى.
فأيّ معنى للعيد ما لم يكن الدّين معتصما بحقيقة التّنزيل، وعودة إلى فقه القلوب؟ أيّ معنى له ما لم يكن هجرة خالصة إلى رحاب ربّ الوجود وعلاّم الغيوب؟
صورة يابانية
ويقول الكاتب ميسرة عفيفي، المقيم في اليابان: إذا سألت المسلمين المقيمين في اليابان الآن عن ذكريات العيد فستكون إجاباتهم تكاد تكون واحدة هي أن أيام العيد في اليابان ليس له طعم مثل أعيادنا في البلاد العربية والإسلامية بل وحتى في البلاد غير الإسلامية ولكنها ذات كثافة عالية من المسلمين.
إذ أن العيد يقتصر على الذهاب إلى المسجد أو الجامع أو المصلى (لا يوجد في اليابان رسميا إلا جامعين اثنين فقط، هما جامع طوكيو وجامع كوبيه، والباقي مساجد صغيرة أو مصليات).
ولكن فيما مضى ولعدد قليل من السنين، كان يوجد أحد المظاهر المميزة للعيد في اليابان ألا وهي الصلاة في ساحة كبيرة.
في نهاية الثمانينات كانت توجد جالية كبيرة من المسلمين، الأغلبية العظمى منهم كانوا إيرانيين يقيمون بشكل غير شرعي، وكان هناك تجمع لهم في أكبر حدائق طوكيو وهي حديقة يويوغي التي تقع بجوار معبد ميجي الكبير.
وكانت تقام صلاة العيد هناك، ويوجد ما يشبه الأسواق التي تبيع المواد المستوردة من العالم الإسلامي وخاصة المأكولات والملابس وغيرها.
فكان المسلمون يذهبون إلى هناك ومعهم عائلاتهم وأطفالهم.
ولكن من منتصف العقد الثاني للتسعينات شددت الحكومة اليابانية قبضتها على المقيمين غير الشرعيين.
فقل عدد المسلمين الإيرانيين فتناقص إلى أربعة آلاف بعد أن كان يقدر بحوالي أربعين ألفا.
وبذلك اختفت صلاة العيد في حديقة يويوغي بوسط طوكيو.
واختفى معها المظهر الوحيد للعيد في اليابان.