جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم.
زمن قصير ظريف ضاحك، تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها.
يوم السلام، والبشر, والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: وأنتم بخير.
يوم الثياب الجديدة على الكل؛ إشعارًا لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم.
يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعًا في يوم حب.
يوم العيد؛ يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه.
يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة.
ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى الناس نظرة ترى الصداقة.
ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة.
وما أسماها نظرة تكشف للإنسان أن الكل جماله في الكل!
وخرجتُ أجتلي العيد في مظهره الحقيقي على هؤلاء الأطفال السعداء.
على هذه الوجوه النضرة التي كبِرَت فيها ابتسامات الرضاع فصارت ضحكات.
وهذه العيون الحالمة, الحالمة إذا بكت بكت بدموع لا ثقل لها.
وهذه الأفواه الصغيرة التي تنطق بأصوات لا تزال فيها نبرات الحنان من تقليد لغة الأم.
وهذه الأجسام الغضَّة القريبة العهد بالضَّمَّات واللَّثَمات فلا يزال حولها جو القلب.
على هؤلاء الأطفال السعداء الذين لا يعرفون قياسًا للزمن إلا بالسرور.
وكل منهم مَلِك في مملكة، وظرفهم هو أمرهم الملوكي.
هؤلاء المجتمعون في ثيابهم الجديدة المصبَّغة اجتماع قوس قزح في ألوانه.
ثياب عملت فيها المصانع والقلوب، فلا يتم جمالها إلا بأن يراها الأب والأم على أطفالهما.
ثياب جديدة يلبسونها, فيكونون هم أنفسهم ثوبًا جديدًا على الدنيا.
وينتبهون في هذا اليوم مع الفجر، فيبقى الفجر على قلوبهم إلى غروب الشمس.
ويُلقون أنفسهم على العالم المنظور، فيبنون كل شيء على أحد المعنيين الثابتين في نفس الطفل: الحب الخالص، واللهو الخالص.
ويبتعدون بطبيعتهم عن أكاذيب الحياة, فيكون هذا بعينه هو قربهم من حقيقتها السعيدة.
هؤلاء الأطفال الذين هم السهولة قبل أن تتعقد.
والذين يرون العالم في أول ما ينمو الخيال ويتجاوز ويمتد.
يفتشون الأقدار من ظاهرها؛ ولا يستبطنون كيلا يتألموا بلا طائل.
ويأخذون من الأشياء لأنفسهم فيفرحون بها، ولا يأخذون من أنفسهم للأشياء كيلا يوجدوا لها الهم.
ويعرفون كُنْهَ الحقيقة، وهي أن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها.
وشعرهم البديع: أن الجمال والحب ليسا في شيء إلا في تجميل النفس وإظهارها عاشقة للفرح.
وبذلك تعيش النفس هادئة مستريحة كأن ليس في الدنيا إلا أشياؤها الميسرة.
فالطفل يقلب عينيه في نساء كثيرات، ولكن أمه هي أجملهن وإن كانت شوهاء.
فأمه وحدها هي هي أم قلبه، ثم لا معنى للكثرة في هذا القلب.
هذا هو السر؛ خذوه أيها الحكماء عن الطفل الصغير!
أيها الناس، انطلقوا في الدنيا انطلاق الأطفال يوجدون حقيقتهم البريئة الضاحكة
فيا أسفا علينا نحن الكبار! ما أبعدنا عن سر الخلق بآثام العمر!
وما أبعدنا عن سر العالم بهذه الشهوات الكافرة التي لا تؤمن إلا بالمادة!
يا أسفا علينا نحن الكبار! ما أبعدنا عن حقيقة الفرح!
تكاد آثامنا -والله- تجعل لنا في كل فرحة خَجْلَة.
أيتها الرياض المنورة بأزهارها،
أيتها الطيور المغردة بألحانها،
أيتها الأشجار المصفقة بأغصانها،
أيتها النجوم المتلألئة بالنور الدائم،
أنتِ شتى؛ ولكنكِ جميعًا في هؤلاء الأطفال يوم العيد!
هدية الى كل الأصدقاء و الأحباء بالمنتدى
و اغتنم هذه الفرصة بمناسبة عيد الفطر المبارك و أقول عيدكم مبارك و كل عام بألف خير علينا و على كل الأمة الإسلامية
و أن يعيده الله علينا بالبركة كما لا أنسى أطفال غزة و فلسطين و كل أطفال المسلمين
و اقول لهم