بعد أن تمادى الإرهاب وتطاول علينا بمفخخاته وأحزمته الناسفة , وأحتل مدننا وأزاح الألق والبهاء عن وجهها الجميل , أصبحنا ملزمين على محاربته ومنازعته ومقارعته بأقلامنا وكتاباتنا وحروفنا من باب أضعف الإيمان , غاضين أبصارنا عن إرهاب آخر ربما لا يقل ضراوةً وبأساً عن ارهاب المفخخات والأحزمة الناسفة ,
إنه الإرهاب الذي تجاوز أجسادنا ليصيب فلذات أكبادنا وحبيباتنا ( بناتنا الصغيرات ) , إنه الإرهاب الأقوى والأصعب والأشد وطأةً وتمادياً ,
إنه الغزو الثقافي أو( غزو الانترنيت ) الذي أخذ يمد ذراعه ويتطاول على بيوتنا ويدخلها عنوةً وبلا دعوى واستئذان , وللأسف نحن نرحب به ونهلل له وننفق في سبيله أموالنا ومدخراتنا بحجة مواكبة العصر والسير باتجاه التطور , ولا نعلم بأننا في كل يوم وفي كل ساعة ولحظة ندفع الثمن غالياً بل أغلى وأكبر مما نتوقع .
لقد بات الانترنت فرداً مألوفاً وشخصية محببة في كل أسرة وعائلة من عائلاتنا , يجالس كبيرنا ويمازح صغيرنا , يخالط شبابنا ويغازل بناتنا , برضانا أو رغم عنا , وكيف لنا أن نعترض ونحن نرحب به ونهلل له وننفق في سبيله أموالنا ومدخراتنا وهذه المرة بحجة التسلية والترفيه وقضاء وقت الفراغ . , ولا نعلم أيضاً بأننا في كل يوم وفي كل ساعة ولحظة ندفع الثمن غالياً بل أغلى وأكبر مما نتوقع .
إن دخول الانترنيت الى مجتمعنا بهذه الصورة المفاجئة وبهذا الكم والحجم من المعلومات وبهذه الطريقة والكيفية سبب لنا نوعاً من الفوضى والإرباك في عموم النظام والبناء الاجتماعي العام للمجتمع , مما جعلنا في كثير من الأحيان نتخلى عن بعض مبادئنا وقيمنا وثوابتنا الاجتماعية ونستبدلها بأخرى جديدة وغريبة , وبقصد أو بدونه ترانا في كثير من الأحيان فرحين مسرورين ومبهورين بهذا التغيير وبهذا الضيف الجديد الذي نرحب به نهلل له وننفق في سبيله أموالنا ومدخراتنا , وهذه المرة بلا حجة أو تبرير.
ولعل من أبرز المبادئ والثوابت التي اجبرنا الانترنت على استبدالها هي الطريقة التقليدية والمعتادة في التربية وطريقة تعاملنا مع أولادنا وبشكل خاص البنات , واعتماد الديمقراطية المفرطة في التربية وقلة المتابعة وضعف الرقابة الأسرية ,
وبالتالي فقدان السيطرة والتحكم بسلوكهم وتصرفاتهم , الأمر الذي يدفع بهم في كثير من الأحيان الى الخروج عما هو تقليدي أو محافظ . فعندما نضع البنت أمام هذا العالم الواسع الذي تستطيع من خلاله الانتقال من أقصى الأرض الى أدناها بكبسة زر واحدة , وعندما يشاركنا الأمريكي والفرنسي والتركي والياباني في تربيتها عن طريق الفيسبوك أو أي موقع آخر للتواصل الاجتماعي ,
ومع غياب الرقيب , حينها تبدأ المقارنات عند هذه الصغيرة بين ثقافة مجتمعها وباقي الثقافات الأخرى , وأيهما تختار لتكون موجهاً لسلوكها وتعاملها مع الآخرين , وبعد أن تستفيق من عالمها الافتراضي وتصطدم بالواقع الحقيقي , هنا تبدأ المشاكل الفعلية والصراعات والمنازعات التي غالبا ما تنتهي بالفتاة الى الانحراف والشذوذ . ومع علمنا ويقيننا المؤكد بهذه الحقيقة لكننا مع ذلك نرحب بالانترنت ونهلل له وننفق في سبيله , ونضعه بين يدي بناتنا ونضعها لقمة سائغة بين فكيه , بحجة التواصل مع زميلاتها في الدراسة أو الحصول على معلومات علمية قد تنفعها في دراستها وغيرها من الحجج والمبررات , ولا نطلب منها سوى مطالب بائسة وساذجة وهي الالتزام بالعادات والتقاليد والقيم والأعراف الاجتماعية وتعاليم الدين ,
أما مطالبنا الحقيقية فهي من الانترنيت شخصياً , نريد منه يكون رحيماً بها رءوفاً معها وأن لا يقسو عليها ويحطم حياتها , ونحن نعلم بأنه سوف يفعل العكس, ونعلم كذلك بأنه مجرد آلة عديمة المشاعر والأحاسيس تتحكم بها زمر وعصابات وشركات عالمية لا يهمها غير الربح المادي ونشر ثقافة الفتنة والشذوذ , وإذن فهو بكل تأكيد ليس مجرد شاشة ومجموعة أزرار ونانو, كما أراه في واقعه الفعلي , إنه بحق آفة فتاكة ,
ومع ذلك ولقلة حيلتي ولعدم قدرتي على الاستغناء عنه ولعدم قدرتي على منع ابنتي منه ولانشغالي عن رقابتها ,
لا أجد بدً ولا أملك لنفسي حيله سوى أن أتوسل الى هذه الشاشة والأزرار ( الحاسوب ) , وأقول: رفقاً بها ايها الحاسوب .. فابنتي لازالت صغيرة
. .................................................. ............