بسم الله الرحمن الرحيم
إني هنا لا لأتحدث عن بيت الحكمة البغدادي ( هنا ) تلك المؤسسة الجامعة التي أنشئت في العهد العباسي وإن كان ما أريده يلامس بعضا من جواهر ذلك الصرح العلمي كونه عملا حسنا و ونتاجا علميا ذا افادة للانسانية فوق كل اعتبارات عنصرية. او مذهبية أو دينية أو اثنية.
إني هنا لأتحدث عن بيت عراقي واحد أساسه الحكمة التي وحدها المخولة لأن تحيل حياتنا إلى هناء ورفعة. بيت تجمعنا فيه أخوة الوطن فنكون لأب واحد هو العراق وأم واحدة هي الانسانية.
ستدركون أني اتحدث عن الاتحاد، وسيصفه الأقل تشاؤما فينا بـ الحلم المستحيل، وسأقول بمنتهى التفاؤل:متى كنا نحن عاجزين عن تحقيق المستحيل؟ .
نحن مختلفون واختلافنا أبدا ليس هو المشكلة، التنوع والتباين والاختلاف في الحقيقة هي نقاط قوة لا ضعف متى غُلِفَتْ بالحكمة والرحمة والاثر يشهد بذلك لما يقول : اختلاف أمتي رحمة.
نعم .. نحتاج أن ندرك أنه علينا ان نتعايش فيما بيننا تُبَصِّرُنا الحكمة وتَحْتَضِننا الرحمة ، لماذا؟
1- لأننا أبناء وطن واحد، ولا يحق لأحد منا ان يتوهم أنه أكثر وطنية من غيره .
2- لأننا كلنا من أب واحد اسمه آدم، فلا يحق لأحد أن يمتهن إنسانية الأخر لأي سبب كان، سواء كان مخالفا في المذهب أو الدّين ، فقير بائس أو أجنبي مغترب أو لاجئ مشرد أو ذو لون ليس كلوننا، أو يشتغل عندنا .
3- لأننا نمثل الأكثرية في الوطن ، لا يحق لنا أن ندفع الاقلية للعيش في دائرة الاتهام والدفاع، علينا ان نتمتع بالتطعيم الذاتي ونكون واثقين بما نقدمه وباخلاص أن أبناءنا ليسوا عرضة للزعزعة العقائدية أو المذهبية بمجرد أن أبناء الطائفة الاخرى يتواصلون معهم وإلا فإنه ليس علينا الا ان نلوم أنفسنا .
4- لأننا إعلاميون أويسهل لنا الوصول إلى عقول الاخرين، لا يحق لنا أن نشوه ثقافتهم ونثير النعرات الطائفية بالمناظرات والاتجاه والاتجاه المعاكس والتعليقات غير المسؤولة التي لا يأتي منها إلا الغضب وتزويد المستمعين بثروة لغوية من العبارات الطائفية البغيضة.
5- لأننا مثقفون واعون ، لا يحق لنا أن نمنع انفسنا عن نقد ذواتنا ومذهبنا ونطرح السؤال الجميل: هل هذا هو فعلا الحق؟ وماذا لو كان الحق مع غيرنا؟ . فما أجمل ان نصل الى الحقيقة بأنفسنا ونتعب في ذلك عقولنا ومداركنا.
6- لأننا مجتمع مدّني ، لا يحق لنا ان نترك الحبل على الغالب من باب الحرية الشخصية ولا نعاقب من يثير النعرات الطائفية ويزعزع استقرار بيتنا الكبير عقابا صارما يرتدع به الاخرون.
7- لأننا أهل حق وبصيرة، لا يحق لنا أن نأخذ الكل بجرم البعض ونكون أتباع بؤساء تملأ عقولهم أبواق هي أشبه بالألغام متى ما ضغط عليها انفجرت. فان حكم علي بعض من مشايخك يوما أني كافر لا تنس ان تعاملني كانسان فلا تفقد أحد بنود الحكمة في التعايش ويظل بيتنا عامرا بالحب والامل وإن كان بيننا مفتعلا وغير حقيقي فلعله بين أطفالنا غدا يكون حقيقيا وعاديا فإن فشلنا في جعلهم يرونا أخوة سعداء فعلى الاقل لا نصدر لهم أحقادنا.
هذا هو بيت الحكمة العراقي الذي تتوق له الاجنة في ارحام النساء... ولكن متى نسمع ومتى ندرك ومتى نبدا ببناء هذا البيت وتثبيت أساساته بقوة.
والسلام عليكم
......................................