نماذج جديدة للحياة الأسرية في ألمانيا
نموذج الأسرة تغير كثيرا في ألمانيا، ولكن سياسي البلاد المحافظين مازالوا يتبنون سياسات لا تناسب العصر. ونصحت دراسة نشرت نتائجها مؤخرا بضرورة تبني سياسات جديدة بخصوص الأسر تلبي رغبات الأباء والأمهات.
"بعد عشرين عاما، سيكون عندي بيت خاص وطفلان. سأكون قد بلغت الثلاثين من العمر ولدي شريك حياة"، هذا ما قاله عدد كبير من تلاميذ المدارس الابتدائية الألمانية ممن هم في سن العاشرة، استطلعت آراؤهم في أواخر حزيران/يونيو، أي قبل انتهاء دراستهم بأيام قليلة. وينسجم موقف التلاميذ مع موقف الأغلبية الساحقة للشباب الألمان (85 بالمائة). فبموجب نتائج استطلاع للرأي تريد هذه الأغلبية من الشباب إنجاب أطفال. كما أن الأسرة لا تزال تلعب دورا مهما بالنسبة لهم. ولكن ما هي الأسرة "العادية" وفق تصور هؤلاء الشباب؟
تجيب دراسة قامت بها مؤسسة كونراد آديناور، المقربة من الحزب الديمقراطي المسيحي، على هذا السؤال وغيره من الأسئلة. ورغم أن الأسرة الكلاسيكية لا تزال تتألف في رأي معظم الشباب من رجل وامرأة وأطفالهما، إلا أن مفهوم الأسرة يشمل، في رأي حوالي تسعين بالمائة من الشباب المستطلعة آراءهم، أيضا الشراكة بين مثليي الجنس وكذلك النساء أو الرجال الذين يربون أطفالهم بمفردهم دون شريك، وأيضا الأسر التي يعيش فيها أطفال الزوج أو الزوجة من زيجات سابقة.
ويواصل عدد المواليد في ألمانيا ومنذ منتصف السبعينات من القرن الماضي انخفاضه. وحاليا وصل متوسط المواليد لكل امرأة إلى 1.3 فقط. فكيف يمكن للمجتمع أن يواجه انخفاض نسبة المواليد المستمر؟ كلفت مؤسسة كونراد آديناور معهد الأبحاث السكانية بوضع دراسة بهذا الشأن. وتم لهذا الغرض استجواب 5000 شخص، تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عاما.
تعاني الأم من نظرة "ظالمة" بعض الشيء: فإذا عملت قيل إنها تهمل أطفالها. وإذا جلست لتربيهم قيل إنها تعيش على حساب الآخرين.
عدم توفر نماذج إيجابية للأسرة
وتشير إحدى نتائج الدراسة إلى أن السياسيين والباحثين بالغوا حتى الآن في تركيز اهتمامهم على موضوع صعوبة الربط بين الأسرة وممارسة المهنة وعلى موضوع توسيع الشبكة من مرافق رعاية الأطفال. وعلاوة على ذلك، فإن سياسة الأسرة تشمل أكثر من 150 إجراء، مما يعني أنها سياسة مرتبكة بدل أن تتميز باستراتيجية واضحة. وكما تقول رئيسة تحرير مجلة "إلترن" ماري لويزه ليفيتسكي في حديث مع DW: "لقد حان الوقت لمناقشة قضية تبني المجتمع ثقافة مشجعة للأسرة".
وبحسب نتائج الدراسة فإن النظرة الفردية للأسرة وطريقة عيش كل شخص ضمنها تختلف جذريا عن النظرة الاجتماعية العامة بهذا الشأن.
"يلعب ما يجري في رؤوس الناس دورا كبيرا"، كما يقول نوربرت شنايدر، مدير معهد الأبحاث السكانية، في مقابلة صحفية، مشيرا إلى أنه "لا توجد في ألمانيا نماذج إيجابية للأسرة، فكل نموذج يشمل نواح سلبية". ويضيف شنايدر قائلا إن الأم والزوجة "الكلاسيكية" التي لا تمارس مهنة تُتهم بأنها تعيش حياة مريحة على حساب آخرين، بينما تُتهم الأم التي تعمل وتمارس مهنة بأنها تحقق ذاتها على حساب أطفالها.
مطالبة بسياسة فعالة تحقق التكافؤ
تنتقد رئيسة تحرير مجلة "إلترن"، ماري لويزه ليفيتسكي، السياسات الحكومية بشأن الأسرة
"النموذج التقليدي للأسرة، عفا عليه الزمن"، كما تقول ماري لويزه ليفيتسكي. وهذا بالذات هو منطلق الدراسة؛ إذ لا ينبغي أن يفرض السياسيون نماذج معينة على المواطنين، وإنما عليهم أن يقبلوا وجود أشكال مختلفة للأسرة. وعليه، فإن المشاركين في وضع الدراسة ينصحون بتحقيق رغبة آباء كثر يودون المشاركة بشكل أوسع في حياة أسرهم، وتحقيق رغبة أمهات كثيرات في مشاركة أوسع في الحياة المهنية. بالإضافة إلى انتهاج سياسة فعالة تضمن التكافؤ بين الجنسين، فهذا سيؤدي عاجلا أم آجلا إلى تغير النماذج الثقافية في ألمانيا.
ويلاحظ الباحث ماتياس هوركس أنه بدأ، منذ فترة، نقاش بشأن تحديد قواعد جديدة كليا لتعايش الجنسين. و"رغم أن هذا مؤلم جدا في بعض الأحيان، إلا أنه يؤدي على المدى البعيد إلى تزايد الارتياح بالحياة والسعادة العائلية"، كما يقول هوركس.
وبالمناسبة، فإن المشاركين في وضع الدراسة ينطلقون من أنه يمكن أن تتغير النماذج الثقافية في غضون عقود قليلة فقط. وهذا يعني أنه من المحتمل جدا أن يتمكن الأطفال البالغون من العمر حاليا 10 أعوام والذين سيكونون بعد 20 عاما آباء وأمهات، من تحقيق تصوراتهم بشأن الأسرة.