هل تفاجأت إسرائيل بقوة حماس العسكرية؟
أظهرت حرب غزة الأخيرة أن مقاومة حماس أضحت أقوى مما كانت عليه في الحروب السابقة وربما أكبر مما توقعت إسرائيل، وإن كانت بطبيعة الحال قوة رمزية بالدرجة الأولى. فكيف تأتى لحماس المحاصرة ذلك وكيف استطاعت تسليح نفسها؟
تستمر العمليات العسكرية البرية الإسرائيلية في غزة وسط مقاومة شرسة من قبل حركة "حماس" التي استطاعت بدورها أن توجه صواريخها إلى العمق الإسرائيلي لأول مرة. فكيف تأتي لها ذلك وهل تفاجأت إسرائيل بقوة حماس؟ عن ذلك يقول مراسل القناة الأولى في التلفزيون الألماني ARD في تل أبيب، ريشارد شنايدر في مقابلة تلفزيونية نشرت على الموقع الإلكتروني للقناة الألمانية الأولى، "إن الجيش الإسرائيلي قد تفاجأ هذه المرة بالفعل بقوة حماس العسكرية وجهوزيتها وتدريبيها". وأشار شنايدر إلى أن أحد الجنود الإسرائيليين وصف ـ في حديث مع قناة إسرائيلية ـ مقاومة حماس هذه المرة بأنها تشبه مقاومة حزب الله اللبناني.
حماس انتقلت من "تجميع" إلى "تصنيع" الصواريخ
لكن من أين أتت حماس بهذه القوة التي فاجأت بها إسرائيل وما مصادر تسليحها؟ في هذا السياق يقول شنايدر إن السلاح وصل بشكل أساسي عبر سوريا ومن إيران، وهو "أمر معروف، حيث كانت إسرائيل قد استطاعت أكثر من مرة اعتراض شحنات عرض البحر". كما حصلت حماس على سلاح عبر السودان، وهو ما دفع إسرائيل إلى قصف مستودعات وشاحنات للسلاح هناك، حسب شنايدر. والجديد في الأمر هو أن حماس حصلت أيضا على أسلحة من "ترسانة جيش القذافي بعد انهيار نظامه وسرقة وانتشار أسلحة جيشه في معظم منطقة الشرق الأوسط، ووصل جزء منها إلى قطاع غزة".
لكن كيف تصل هذه الأسلحة إلى قطاع غزة رغم الحصار المضروب على القطاع؟ يقول شنايدر إن هذه الأسلحة كانت تهرب بالدرجة الأولى عبر الأنفاق بين مصر والقطاع وبكل سهولة. لكن بعد تدمير هذه الإنفاق أو إغلاقها في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تجد حماس والجهاد الإسلامي مشكلة كبيرة في الحصول على الأسلحة.
إضافة إلى ذلك، يقول الصحفي الألماني، إن حماس انتقلت إلى مرحلة جديدة في "تصنيع" الصواريخ ذاتيا، وليس فقط عملية "تجميع" وإعادة تركيب الصواريخ محلياً، كما كان عليه الحال في الماضي. ويضيف شنايدر أن صواريخ القسام التي كانت حماس تقوم بتجميعها، كانت قبل حوالي عشر سنوات تبلغ في مداها نحو 12كلم، "لكن الآن فإن الصواريخ التي تقوم حماس والجهاد الإسلامي بتصنيعها ذاتيا تبلغ في مداها إلى تل أبيب".
صواريخ غراد ليبية ذات "رسالة رمزية"
لكن المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أسامة عنتر، من مؤسسة فريدريش إبيرت الألمانية في غزة، لا يعتقد أن حماس طورت صواريخها المركبة محلياً، بل أن الجديد في الأمر هو أن حماس تستخدم صواريخ غراد الليبية التي حصلت عليها في الآونة الأخيرة عبر مصر والتي تم تخزينها في أنفاق تحت الأرض لا يمكن الوصول إليها وتدميرها، حسب تعبيره. ويتابع المحلل الفلسطيني في حوار مع DWعربية أن مقاتلي حماس غيروا أسلوبهم في القتال هذه المرة. ففي الماضي كان المقاتلون ينتشرون بين السكان، أما في هذه المعركة فباتوا يستخدمون أنفاقا عميقة تحت الأرض لحماية أنفسهم.
لكن عنتر يشير إلى نقطة مهمة تتمثل في أن حماس لا تزود صواريخ غراد بقوة تفجيرية كبيرة، فرؤوس الصواريخ مزودة بقوة تفجير قليلة لا ترتقي إلى مستوى إحداث أضرار كبيرة. ويعلل الخبير الفلسطيني ذلك في أن حماس تدير حربا نفسية، والصواريخ التي تضرب ألآن في عمق الأراضي الإسرائيلية تحمل رسالة مفادها " أننا نستطيع الوصول إليكم رغم الحصار المستمر علينا".
يذكر أن الصواريخ التي تصنعها حماس بنفسها تصل إلى مدى لا يتجاوز بضعة عشرات من الكيلومترات، أما صواريخ غراد، فيمكنها أن تصل إلى مسافات ما بين 70 و120 كيلومترا. وهذا ما يبرر سبب وصول صواريخ حماس هذه المرة إلى مطار تل أبيب.
لكن القوة الفعلية الحقيقة لحركة حماس لا يرها المحلل السياسي عنتر في الجانب العسكري، بل في الجانب السياسي. فحسب رأيه، فإن حماس أصبحت بعد هذه الأيام الدامية من المواجهة مع إسرائيل أكثر قوة من الناحية السياسية. أما عسكريا فلا تصل قوة حماس "ولا بأي شكل من الأشكال إلى قوة إسرائيل التي تعتبر القوة الرائدة والإستراتيجية في عموم منطقة الشرق الأوسط".
وبرزت في الحرب الحالية قضية وجود أنفاق بين قطاع غزة والأراضي الإسرائيلية يستخدمها المقاتلون الفلسطينيون لشن عمليات في إسرائيل، فهل كان تركيز إسرائيل على تدمير الأنفاق بين غزة ومصر بينما تجاهلت خطورة الأنفاق نحو أرضيها؟ يقول المراسل الألماني ريشارد شنايدر إن إسرائيل قللت لفترة طويلة من أهمية الأنفاق المتجهة إلى أراضيها من غزة رغم تحذيرات كثيرة أطلقها الخبراء وبعض العسكريين. ويعتقد شنايدر " أن الأنفاق المتجهة من غزة صوب إسرائيل تختلف عن تلك الأنفاق المتجه من غزة صوب مصر، فالأولى أكثر عمقا، حيث يصل عمقها إلى حوالي 40 مترا ومبنية لحماية قيادات حماس في جوفها". ورغم أن هذه الأنفاق كانت معروفة في الماضي أيضا، إلا أنها أزادت أهمية وخطورة بعد أن انتقلت حماس إلى استخدامها لضرب البلدات الإسرائيلية، حسب شنايدر. ويرى الصحفي الألماني أن الجيش الإسرائيلي تجاهل لفترة طويلة تحذيرات بشأن هذه الأنفاق.
لكن المحلل السياسي الفلسطيني أسامة عنتر يرى " أن إسرائيل تحدثت عن هذه الأنفاق أكثر من حديثها عن الملف النووي الإيراني، وخصوصا في الأيام الأخيرة، وباتت هذه الأنفاق أخطر من أي شيء أخر".
وأخيرا، فإن الخبير السياسي أسامة عنتر، يعتقد أن هذه الحرب قد فشلت من حيث المبدأ في تحقيق أي هدف لها، مؤكدا أن ليس هناك من منتصر فيها، "فالدمار والخراب والضحايا على الجانبين، فيما الجانب الفلسطيني يعاني أكثر بكثير من الطرق الأخر". والحال كذلك، "فإن فرص التوصل إلى اتفاق وقتي لوقف الحرب والانتقال إلى مرحلة تفاوضية أوسع باتت اليوم أكثر تقبلا من الجانبين، لكن إذا وجد الوسيط المناسب". ويتفق الخبير الفلسطيني عنتر والصحفي الألماني شنايدر على أن الوسيط الوحيد الذي يحظى بثقة الطرفين ويستطيع أن يقوم بشيء يذكر في هذا المجال هو مصر.
المصدر