قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم * وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ﴾ [التوبة: 71-72].
قوله: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ﴾. قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السِّعدي رحمه الله: «أي: ذكورهم، وإناثهم بعضهم أولياء بعض في المحبة، والموالاة، والانتماء والنصرة، ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾، وهو اسم جامع لكل ما عرف حسنه من العقائد الحسنة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، وأول من يدخل في أمرهم أنفسهم، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾، وهو كل ما خالف المعروف وناقضه من العقائد الباطلة، والأعمال الخبيثة، والأخلاق الرذيلة.
قوله: ﴿ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي: لا يزالون ملازمين لطاعة الله، ورسوله على الدوام.
قوله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ ﴾ أي: يدخلهم في رحمته ويشملهم بإحسانه ﴿ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم ﴾ أي: قوي قاهر مع قوته، فهو حكيم، يضع كل شيء موضعه اللائق به، الذي يُحمد على ما خلقه وأمر به، ثم ذكر ما أعد الله لهم من الثواب.
فقال: ﴿ وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ وهذه الجنة جامعة لكل نعيم وفرح، خالية من كل أذى وترح، تجري من تحت قصورها ودورها وأشجارها الأنهار الغزيرة، المروية للبساتين الأنيقة التي لا يعلم ما فيها من الخيرات والبركات إلا الله تعالى، ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ قد زخرفت، وحسنت، وأعدت لعباد الله المتقين، قد طاب مرآها، وطاب منزلها ومقيلها، وجمعت من آلات المساكن العالية، ما لا يتمنى فوقه المتمنون، حتى إن الله تعالى قد أعد لهم غرفاً في غاية الصفاء والحُسن يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فهذه المساكن الأنيقة التي حقيق بأن تسكن إليها النفوس، وتنزع إليها القلوب، وتشتاق لها الأرواح لأنها في جنات عدن، أي إقامة لا يظعنون عنها ولا يتحولون منها، ورضوان من الله يُحِلُّهُ على أهل الجنة أكبر مما هم فيه من النعيم، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم ورضوانه عليهم، وهذا هو الفوز العظيم حيث حصلوا على كل مطلوب، وانتفى عنهم كل محذور - جعلنا الله معهم -»