كانت تمر من ذلك الشارع الكبير المزدحم أول مرة، لفت نظرها كثرة المتسولين والمتشردين على رصيف الطريق، متسخون كأنهم أكوام من الأزبال والقمامة، فقدوا إنسانيتهم وأصبحوا كوحوش مشوهة، كان مخيفين لها وهي الشابة الناعمة الأنيقة، التي تشتغل مهندسة.
كانت تسير بخطى سريعة في ذلك الشارع الهائل، وكان المتسولون والمتشردون رابضين في جنبات الأرصفة.. تقدم منها ديناصور أعرج يطلب درهما، ابتعدت منه هاربة، ثم لمحت تمساحا أقرع يزحف نحوها ويمد يده، هربت منه قبل أن يلمس قدميها، ومن الجانب الآخر كان يقترب منها ثعبان أبرص يتلوى كأنه الشيطان، تفادته بحركة خفيفة وهي ساخطة متذمرة.
لقد كانت تمقت هذا النوع من البشر، الذي جعل من التسول حرفة، كان تريد أن تراهم يعتمدون على أنفسهم، ويعملون بالتجارة أو الفلاحة أو الصناعة أو البناء أو أي شيء يحفظ لهم كرامتهم، كانت تتساءل مع نفسها: كيف لرجل بحجم البغل أن يتسول درهما؟
لكنهم تعودوا على هذه العادة السيئة لأنهم وجدوها تجارة رابحة، وأكثر من كانت تمقتهم هن النساء اللواتي تكترين الأطفال طول اليوم من أجل استعمالهم في جلب عطف الناس، كانت تقول لنفسها: من تكتري طفلا للتسول به وتعذيبه طول اليوم وتجويعه تحت الشمس تستحق السجن، والأم التي ترهن طفلها لمتسولة تستحق السجن والجلد، والشخص الذي يعطي للمتسولة المال فيشجعها على هذا الفعل الحقير يستحق السجن والجلد والأعمال الشاقة.
وفجأة، استيقظت من تأملاتها العميقة، وابتسمت كأنها تذكرت شيئا! وقالت لنفسها: "لا يمكنني ان أتخلى عنهم، لا بد أن أشتري لهم شيئا يأكلونه!"
وتوجهت فورا نحو محل تجاري للمواد الغذائية، وقفت أمام البائع، طلبت منه علبتين من الحليب، وثلاث علب من سمك التون، وعلبة كبيرة من قطع الجبن، فكرت قليلا، ثم طلبت منه كرة من الجبن ملفوفة بالشمع الأحمر، دفعت ثمن تلك المشتريات، وخرجت من المحل وهي تحملها في سلة بلاستيكية.
ذهبت إلى ركن من أركان الشارع، اجتمعت حولها بعض القطط والكلاب الضالة، وأخذت تطعمهم الجبن والسمك وتسقيهم الحليب، شعرت بالسعادة وهي تنظر إلى تلك الحيوانات الجائعة وهي تأكل، بينما كان المتسولون يراقبونها بذهول ولعابهم يسيل على ملابسهم المتسخة.
لم تعبأ الفتاة بهم، واستمرت تحرس أصدقاءها الحيوانات وقالت لنفسها: "الحيوان الذي يكاد أن يكون إنسانا أعظم من الإنسان الذي يكاد أن يكون حيوانا".