الفصاحة
الفصاحة في اللغة : البيان والظهور والوضوح . يقال : أفصح الصبح ، أي ظهر ضوؤه .
فصاحة الكلمة : خلوها من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس .
وفصاحة الكلام : خلوه من تنافر الكلمات ، وضعف التأليف ، والتعقيد .
وفصاحة المتكلم : قدرته علي التعبير بكلام فصيح في مفرداته وتراكيبه .
أولاً : فصاحة الكلمة
تتصف الكلمة بالفصاحة إذا خلت من العيوب التالية:
1 ــ تنافر الحروف : وهو اجتماع عدة حروف متقاربة المخارج تؤدي إلي ثقل النطق بالكلمة .
ومثالها كلمة الهعخع في قول الأعرابي حين سئل عن ناقته : ( تركتها ترعي الهعخع ) وكلمة
الظش ، بمعني الموضع الخشن . ومنه كلمة " مستشزرات " في قول امرئ القيس :
غدائره مستشزرات إلي العلا .......... تضل العقاص في مثني ومرسل
2 ــ الكراهة في السمع: وهي أن تكون الكلمة مكونة من حروف لا تلتئم في السمع ، ويمجها الذوق . مثل لفظ " الجرشي " في قول المتنبي :
مبارك الاسم أغر اللقب ...... كريم الجرشي شريف النسب
ولفظ " النقاخ " في قول الشاعر :
وأحمق ممن يكرع الماء قال لي ...... دع الخمر واشرب من نُقاخ مبرد
3 ــ الغرابة : وهي عدم شيوع الكلمة علي ألسنة الفصحاء .
ومن أمثلتها : ما ورد علي لسان رجل سقط عن ناقته فتجمع الناس حوله ( ما لكم تكأكأتم علي كتأكئكم علي ذي جنة افرنقعوا ) فكلمتا " تكأكأتم " بمعني تجمعتم ، و" افرنقعوا " بمعن انصرفوا ، وهما غريبتان .
ومنه لفظ " المرمريس" في قول العجاج : ( ومن عاداك لاقي المرمريسا )
4 ــ مخالفة الوضع اللغوي: وهي أن تكون الكلمة مخالفة لما في المعاجم ، أو للقياس الصرفي
ومن أمثلة هذه المخالفة استعمال الأيم بمعني الثيب في قول الشاعر :
حلت محل البكر من معطي وقد ...... زفت من المعطي زفاف الأيم
والأيم في اللغة من لا زوج لها سواء كانت بكرا أم ثيبا .
وكذلك استعمال " قسط " بمعني عدل في قول الشاعر :
شرطي الإنصاف إن قيل اشترط ..... وصديقي من إذا صافي قسط
ومثل فك الإدغام في " ضننوا " من قول الشاعر :
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي ..... أني أجود لأقوام وإن ضننوا
ثانيا : فصاحة الكلام
فصاحة الكلام تتحقق بخلوه من العيوب الآتية :
1ــ تنافر الكلمات : وهو اجتماع عدة كلمات تتكرر حروفها أو تتقارب مخارجها فتؤدي إلي ثقل في نطق الكلمات مجتمعة . ومن أمثلته :
- لو كنت كنت كتمت الحب كنت كما ..... كنا نكون ولكن ذاك لم يكن
- وقبر حــرب بمكـــان قفــر ..... وليس قرب قبر حرب قبر
- لم يضرها والحمد لله شيء ..... وانثنت نحو عزف نفس ذهول
3 ــ ضعف التأليف: وهو مخالفة الكلام لقواعد النحاة . ومن أمثلته :
خلت البلاد من الغزالة ليلها .... فأعاضهاك الله كي لا تحزنا
حيث وصل ضميرا يجب فصله في قوله "فأعاضهاك "
ومثل قول الشاعر :
انظرا قبل تلوماني إلي ..... طلل بين النقا والمنحني
حيث نصب الفعل "تلوماني " بغير ناصب .
3ــ التعقيد . وهو نوعان : تعقيد لفظي ، وتعقيد معنوي .
التعقيد اللفظي : ومنشؤه سوء ترتيب الكلام بالتقديم والتأخير ، والفصل بين المتصلين .
ومن أمثلته :
قول الفرزدق يمدح إبراهيم بن إسماعيل خال هشام بن عبد الملك :
وما مثله في الناس إلا مملكا ..... أبو أمه حي أبوه يقاربه
والترتيب الصحيح هو : وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه .
ومنه قول أبي الطيب :
المجد أخسر والمكارم صفقة ....... من أن يعيش لها الهمام الأروع
أراد : المجد والمكارم أخسر صفقة . ففصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، كما فصل بين المضاف والمضاف إليه .
التعقيد المعنوي : وهو خفاء دلالة الكلام علي المعني المراد، مثل أن يكني بألفاظ عن معني ، اعتادت العرب أن تكني بهذا الألفاظ عن معني آخر .
كما في قول الشاعر :
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ..... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
فقد كني بجمود العين عن السرور . وهو غير مألوف ، حيث تكني العرب بجمود العين عن بخلها بالدموع ، كما جاء في قول الخنساء :
أعيني جودا ولا تجمدا .... ألا تبكيان لصخر الندي
البـــــلاغة
البلاغة في اللغة : الوصول والانتهاء، تقول بلغتُ الكعبة، أي وصلت إليها .
وفي الاصطلاح : مطابقة الكلام لمقتضي الحال مع فصاحته . والحال هي المناسبة الداعية لأن
يضمن المتكلم خصوصية تتلاءم مع االموقف . مثل الفخر الذي يتطلب الإطناب بتعداد الأمجاد
والمآثر . ومثل الذكاء ، فهو مقام يقتضي الإيجاز ، فإن جاء الكلام موجزا تحققت المطابقة، وكان الكلام بليغا.
ومثاله من القرآن قوله تعالى:
( كلا سوف تعلمون (3) ثم كلا سوف تعلمون (4) ) سورة التكاثر ص 600
فالمقام هنا مقام تهديد ووعيد ، وهو يتطلب تأكيد الإنذار ، لذلك كرر الله الجملة لتحقيق هذا الغرض
وفي قوله تعالى علي لسان امرأة إبراهيم عليه السلام حين بشرت بإسحاق :
( فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم ) سورة الذاريات الآية 29 ص 521
فالمقام هنا مقام دهشة ومفاجأة بهذه البشري ، وهو مقام يقتضي الإيجاز ، لذلك حذف المسند إليه ( المبتدأ ) ، إذ الأصل : أنا عجوز عقيم .
ومما افتقد البلاغة لعدم المطابقة ، قول الشاعر :
ذكرت أخي فعاودني ...... صداع الرأس والوصب
حيث جاء بكلمة زائدة لا فائدة منها ، وهي الرأس ، لأن الصداع لا يكون إلا في الرأس .
ومع المطابقة لا بد أن يكون الكلام فصيحا في مفرداته وجمله ، فإذا طابق الكلام مقتضي الحال ، وكان فيه لفظ غير فصيح لم يكن الكلام بليغا .