زينب (ع) التجسيد الواقعي لمفهوم الإباء ومصداق الصبر000
ينحني التاريخ أجلالاً واكباراً لشخصيات خطت معاني وقيم سامية سطعت باضوائها على مختلف نواحي الحياة المختلفة نظراً لما تحمله من استعداد ذاتي وقابلية تبهر العقول ، وهذه الشخصيات ارتسمت فيها ملامح لا يمتلكها شخص آخر ألا من كان متماهياً في نفس الخصوصية ، وسر التميز فيها أنها كانت تسير بنفس النّسقية والتوجه عبر الأطر الزمانية والمكانية التي ترتكز على أبعاد الصيرورة والتغير المستمر داخل ـ الكيان ، المجتمع ، الدولة ـ ولهذا الأمر له أسبابه ودوافعه ـ ذاتية وغير ذاتية ـ متمثلةً بالتنشئة الدينية والاجتماعية ـ الأسرة ـ التي توهب وتصقل وتضيف لكينونة الشخص رسم الملامح وقولبة السلوكيات ضمن أطار نسقي ممنهج ، فالمعطيات في التنشئة ترتبط ارتباطاً عضوياً بشخصيّ ـ الأب والأم ـ وما يقدماه من عطاء معرفي وبناء سايكولوجي بشقيه الايجابي والسلبي يصنع من خلاله إنساناً أما أن يضع بصمته داخل دنيا التاريخ ويترك أثراً ومنهجاً وسلوكاً يتعاطاه من يسير بنفس التوجه ، أو يكون كمن لم يولد أصلاً، والمقدمة المتواضعة أعلاه هي مدخل لمعرفة الماهية الحقيقية لجبل الصبر والإباء السيدة زينب (ع) وأن كانت عقولنا القاصرة لا تدرك كنهها الحقيقي ألا أننا نريد أن نقف على جرف البحر الزينبي ، فهنالك عظماء سجلهم التاريخ وسطر لهم فصول قد اخذوا من احد الأبوين أسباب عظمتهم ، فكيف بالذي أخذ واستلهم برنامج الحياة المتكامل بعطاءاته المختلفة من كلا الأبوين هذا من الناحية العددية فكيف بالنوعية متمثلة من جانب الأب علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ومن الأم سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) التي اغترفت منهما جبل الصبر زينب (ع) كل الحركات والسكنات المعصومية فأضحت علياً في شجاعته وزهراءً في صبرها وعفتها ، وهنا يبرز المصداق الأوضح الذي جُسد على أرض الواقع عند وقوفها بجانب اخيها سيد الشهداء (ع)، لا نريد الإطالة لكن لنترك التاريخ يتكلم بمثالين على ماندعيه من قول :
الأول : عندما صُرع أبي الشهداء الإمام الحسين (ع) وبقي على رمضاء كربلاء تخيل لجنود الشيطان في الطرف الآخر أن مصداق الخدر المتمثل بزينب (ع) سينتفي اليوم بخروجها إلى مصرع أخيها إضافة إلى الاستسلام والخضوع والخنوع ، لكن ارتسمت صورة مغايرة لما خططوا له فقد خطت السيدة زينب (ع) بأنامل الصبر ورباطة الجأش العلوية الفاطمية صورة أصبح الزمان شاهداً وناطقاً رسمياً لها والدليل ما نكتبه اليوم إذ خرجت بكبريائها وخدرها رافعة الرأس أمام العدو منكسرة القلب من الداخل الخفي حتى وصلت إلى جثمان الجسد الطاهر وقالت كلمة زلزلت العرش الأموي وكسرت شوكته وحطمت كيانه بقولها ( اللهم تقبل منا هذا القربان ) فالارتباط الإلهي بعمق القضية الحسينية ولم ولن يكن منفكاً عنها حتى في أحرج اللحظات .
الثاني : الدور البطولي في عقر دار الأمويين في الشام وأمام الجبروت اليزيدي وقفت السيدة زينب (ع) ما عجز عنه رجال ـ وما هم برجال ـ من استنطاق واستيضاح الحق ألا أنهم لم ينبسوا ببنت شفة والسبب في ذلك هو الانهزام النفسي الداخلي مع علمهم باتجاه بوصلة الحق ألا أنهم كانت لديهم ثنائية مخزية في فلك البطولة ثنائية مؤداها ـ حضور الوعي مع غياب الإرادة ـ فانبرت من رضعت من ثدي الإباء وتربت في حضن الشجاعة والأقدام وعدم السكوت عن مفردة الحق أياً كان ثمنها وأياً كانت شخوصها ، إذ أزاحت السيدة زينب (ع) الضبابية السائدة عند المجتمع الشامي والصورة المتولدة لديهم عن أهل بيت النبوة وأماطت اللثام عن حقائق غابت وغُيّبت بواسطة أقلام السلطة ومزقت الأقنعة التي كانت تتلبد خلفها شياطين آل أمية ورسمت منهاجاً خالداً ترتكز دعائمه على الأبدية الحسينية مهما فعل الأمويين بقولها أمام مصداق الباطل يزيد ( كد كيدك وأسعى سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ) وبهذا أسست (ع) أبعاداً إرتكازية تستند إلى دعامات دينية مُستلهمة من آل بيت النبوة الأطهار (ع) .
فسلام عليك ياسيدتي يامولاتي يازينب الكبرى يوم ولدتِ ويوم استشهدتِ ويوم تُبعثين مع أهل بيت النبوة شافعة مشفعة .