أثر التدوين التاريخي في ميدان التفاعل مع أئمة أهل البيت (ع)
ما وصل إلينا من التاريخ المشرق والوضاء لأئمة أهل البيت (ع) هو النزر اليسير هذا أمرَ مُتفق عليه والأسباب كثيرة يطول شرحها ، لكن ما يهمنا في هذا المقام هو التفاوت في تفاعل الجمهور الشيعي مع وفيات أئمة أهل البيت (ع) ، فنجد ثمة تفاعل حيوي منقطع النظير مع بعضهم في قبال إحياء ومستوى تفاعلي خجول لمناسبات بعض الأئمة (ع) ففي المقام الأول نلحظ أن وفيات ( أمير المؤمنين (ع) والحسين (ع) والكاظم (ع) ) هم ممن ينطبق عليهم ما أسميناه بالتفاعل الكبير أما ( الحسن (ع) والسجاد (ع) والباقر (ع) والصادق (ع) والرضا (ع) والجواد (ع) والهادي (ع) والعسكري (ع) ) نجد حالة القصور والتقصير في تخليد ذكراهم حاضرةً وبقوة ، ولنا أن نسأل هل أن هذا الأمر جاء اعتباطاً أم تقبع خلفه جملة من الأسباب ، الجواب قطعاً سيكون الأخير إذ أن هنالك معطيات دفعت بالاتجاه التفاعلي إلى هذا المآل ، ولعل أهم الأسباب وفي مقدمتها من حيث التراتيب هو مسألة ( التدوين التاريخي ) لسير الأحداث التي جرت على الأئمة (ع) أو حتى اللحظة الفاصلة في حياته وهي الاستشهاد كانت كفيلة بإبراز وتوضيح الصورة فيما جرى على ذلك الإمام (ع) فإذا كانت التصورات واضحة للمآسي وعظم المظلومية التي مر بها حتماً ستتولد وتتكون رؤية واضحة ومؤثرة في قلوب محبيه وهذا التفاعل والتأثر الكبير مع الحدث هو الترجمة العملية لتلك الرؤى المتولدة من خلال ما سطرته كتب التاريخ على العكس من ذلك أن الأحداث أذا لم تجد لها مكاناً بين ثنايا التاريخ سينعكس طردياً مع المستوى التفاعلي وبالتالي ستفقد تلك الفاعلية حيزها وثقلها ووقعها النفسي في قلوب الآخرين نتيجة أما غياب الصورة الجلية أو الضبابية التي تلف تلك الأحداث ، فعندما نقلب صفحات نجد أن الإمام علي (ع) والحسين (ع) والكاظم (ع) قد دونت تفاصيل استشهادهم بصورة يمكن من خلالها القول أن أنها أبرزت حيثيات دقيقة فيما يخص كل قضية على حدة ، فالإمام علي (ع) نظراً لما يمثله من قطب الرحى للأئمة (ع) وحادثة استشهاده جرت أمام محبيه ومخالفيه وفي مكان لا يمكن أن يغطى أو يخفى وهو بيت الله وكونه الخليفة آنذاك والأمر متاح لمن يريد أن يدون الأحداث أو قصها فيما بعد لذا كانت المسألة قد حُفظت ونقلت إلى الأجيال وضمنت بذلك حيويتها ومستواها التأثري والتفاعلي والأمر ينسحب على سيد الشهداء (ع) إذ دونت تفاصيل استشهاده بدقائقها وكانت في وضح النهار وهذا الطلب أن يكون القتال في النهار هو من الإمام الحسين (ع) إذ قال ( أمهلوني سواد هذه الليلة ) حقيقة الأمر كان للإمام (ع) غاية في ذلك فإذا حدث القتال في الليل من الممكن أن يكون الليل قد يغطي على الكثير من الحقائق والأحداث وبالتالي تفقد الثورة بريقها أما أذا كانت في النهار فتكون أمام مسمع ومرأى الجميع ليتسنى لهم تدوين وحضور وشهادة على ما حدث في 10 محرم فقد كان الإمام الحسين (ع) متنبهاً لذلك الأمر لأنه (ع) كان عالماً أن مستوى التفاعل والحضور عبر الأزمان مرهون بوضوحية الحدث اليوم واقصد به العاشر من محرم ، وكذا الأمر مع الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) إذ شخّص هذه المسألة وأعطاها بعداً مستقبلياً وهذا الإدعاء له دلالاته التاريخية عندما جاء للإمام (ع) أحد أصحابه وهو علي بن سويد وسأل الإمام (ع) عن موعد الفرج هنا جاء دور الإمام (ع) في تثبيت لحظة سيخلدها الزمن ـ التاريخ ـ لتتفاعل معها قلوب المحبين وهذا ما رأيناه بالأمس في المواكب العظيمة والمشرفة التي خرجت في قضاء المجر الكبير ومستوى التفاعل سواءً في الكاظمية أو باقي المناطق ، فقد حدد الإمام الكاظم (ع) لعلي بن سويد الأبعاد الزمانية والمكانية لما أسماه الفرج ليضمن بذلك التجمهر الكبير للناس ليكونوا شهداء على عظم الفاجعة التي ستحل به وبالتالي ستكون هذه الجماهير الأداة المدونة والناقلة للأحداث وبالفعل فأن ما خطط له الإمام (ع) شهدناه بالأمس وسيبقى خالداً ليوم القيامة ، ولنا أن ندمج الإمام العباس (ع) إذ يُخصص له يوم منفرد له والسبب هو ما ذكرناه في قضية عاشوراء ، وهنا أستحضر قول للرسول الأكرم محمد ( ص وآله ) ومن خلاله نوظفه كمثال على ما ندعيه من قول إذ قال ( ص وآله ) ( من ورخ مؤمنا فكأنما أحياه ) وهذا الإحياء كما هو واضح متأتي من تدوين سيرته أو على الأقل أبرز محطات حياته المؤثرة لتكون دليلاً للناس على مكانة وسمو ورفعة صاحب هذه السيرة .