.
.
مستلقٍ تحت الشجرة في هذا الجو البديع
شاب في مكتمل العمر ذو بنية جيدة
والنسيم العليل يداعب شعراته الصغيرة
يبدو شارد الذهن وهو يحدق في السماء
دون ملامح محددة
بتلك الثياب وذلك المعول بجانبه
يبدو بأنه فلاح
سقطت على رأسه ثمرة تفاح
إلتقطها
وأخذ يتأملها
"ماذا لو كنت نيوتن ؟
تدر لي هذه التفاحة الملايين
وأصبح أغنى المشاهير
ماذا لو كنت ما ألمس شيئًا إلا صار ذهبًا ؟"
نظر لباقي الثمار في الشجرة فوقه
"ماذا لو كانت شجرة ذهب ؟
لو كان كل هذا الثمر ذهبًا !"
رمى التفاحة بعيدًا
ومسح عيناه بكم قميصه
مضى اليوم ولم يفعل شيئًا
يبدو أنه على هذه الحال منذ مدة
فهنالك بعض الثمار الذابلة من حوله
قضى الليل وهو يحصي النجوم
والسواد أسفل عينيه غطى على سواد الليل
ما كل هذا الأرق والتفكير ؟!
شارف موسم التفاح أن ينتهي وهو لم يجمع منه شيئًا
إلى أن تم استدعاء هذا الشاب ليقف أمام الحاكم
"ما خطبك يا فلاح ؟
سينتهي موسم التفاح !
وليس غيرك يقدر على هذا الشجر الفلاح"
نظر الشاب للحاكم وتكاد الدموع تنهمر من عينيه
"شغلتني أعداد النجوم يا سيدي
فلم أستطع أن أحصيها"
"وكيف تحصي ما لا يحصى أيها الشاب ؟!"
"وقد غاب العدل يا سيدي
كل شيء جائز يا سيدي"
استغرب الحاكم لكلام الشاب
فكيف يغيب العدل وهو الذي ذاع صيت عدله في الزمان
"ما خطبك أيها الشاب
يبدو أن في جعبتك الكثير"
رفع الشاب رأسه وتنهد
ثم أخذ نفسًا عميقًا
فقاطعه الحاكم
"سنعطيك أضعاف التفاح ذهبًا
وسنعطيك ما تحتاجه الأرض للحرث
ونمنحك أفضل الحمير"
لكن الشاب أخيرًا رفض كل هذه العروض والإغراءات
"إني لا أطمع بمالكم يا سيدي
فاسمع قصتي يا سيدي
ولك الحكم فيها
إني أثق في عدلكم يا سيدي
ولن أعترض على ما تقره سيادتكم"
فوافق الحاكم وأخذ يستمع لقصة هذا الفلاح
قبل مدة ما هي بالقصيرة ولا الطويلة
خرج الشاب من بيت القاضي حزينًا
تعب سنينًا حتى يجمع كل هذا المال
مهر كامل للزواج
وزاده محصول اليوم من التفاح
كان يحلم بأن يملأ حقله بالأطفال
واختار خير زوجة لأبنائه
لكن القاضي رفض تزويجه
وقد اختار ابنة القاضي !
"ومن تكون أنت ؟
وكيف تجرأت على طلب مثل هذا الشيء الفضيع ؟!
كيف أزوج ابنتي من فلاح !
وأنا القاضي الذي يحلم في مناسبتي كبار النبلاء والأثرياء"
بات الشاب يكره حقله الصغير
ولم يعد مهتمًا بالتفاح
كيف تكون نظرة الناس بهذه السطحية
بل كيف يغريهم متاع زائل !
"ألست بشرًا كغيري ؟
أسأل عن خلقي وديني ؟
ألست مقتدرًا ولله الحمد ؟
أليس من حقي الزواج ؟"
غطى الشاب وجهه بكم قميصه
وأخذ يبكي بحرقة
ثم نظر للحاكم الذي كان يمسح دموعه تأثرًا بقصة الشاب
فأخذ يتوعد بإنزال العقوبة على هذا القاضي الجشع
وإحلاله من مهامه
وعرض الحاكم على الشاب الزواج من ابنته
لكن القلب الأبيض لم يرض بذلك
فكل ما يريده هو الزواج من ابنة القاضي فقط
فاستدعي القاضي ليمثل أمام الحاكم
والشاب مختبأ خلف ذلك الستار الأحمر وراء الحاكم
"ما رأيك أيها القاضي فيمن ارتضيناه لابنتنا زوجًا
فرفضها لينال شرف الزواج من ابنتكم ؟"
ضحك القاضي وظن أن الحاكم يمازحه
"لا أظن أن ذلك يحدث ولا في الأفلام يا سيدي
لكنني سأوافق دون شك حينها"
ابتسم الحاكم وأكمل ..
"ورفض مالنا وجاهنا ليعيش بعرق جبينه"
"إنه لنبل في أخلاقه
ومثال الرجل الحقيقي"
فأمر الحاكم الشاب بالخروج
فدهش القاضي وما علم ما يقوله
"هذا من منعني من عقابك يا قاضي
فإن طبقت العدل فليسري للجميع
لا أن تكون لك قوانينك الخاصة على أسرتك
فإن وجدتني مخطئًا يومًا
لا تمنحني الأعذار ودعني أنل جزائي كغيري
يا قاضي .. هذا الشاب كنز فكيف فرطت به!
رفض الجاه وفاحش الثراء ..
ورفض الزواج بابنتي لينال شرف الزواج من ابنتك"
خرّ القاضي على ركبتيه
وما علم ما يقوله حينها
لكن وجهه المتلون بشتى الألوان يحكي الكثير من الندم
ها قد مضت العديد من السنين
على تلك الشجرة طفل
وآخر يلعب هناك
وتلك الصغيرة مختبئة بين الأشجار
وحقل التفاح ملأى بالأطفال
يحرث ذلك الرجل الأرض ليزرع المزيد
وزوجته تحمل له كأسًا من القهوة
وقطع من كعكة التفاح للصغار
وبهذا النجاح
الفلاح أعلن الفلاح بالتفاح
منقول