"نساء في حياة ديكتاتور".
.ما سر هؤلاء الطغاة في قلوب نساء عاشقات متيّمات؟!
أسماؤهن برزت في حياة رجال طغاة، لطخوا بنرجسيتهم وإجرامهم ذاكرة التاريخ. نساء كان للبعض منهن سلطان عليهم ونفوذ أقوى في الإبادات والإفناء، وأخريات قبعن في الظل، متيمات بالديكتاتور، خاضعات لمزاجه، يحيين حياته، أو يمتن ميتته. "نساء في حياة ديكتاتور" لديان دوكريه، كتاب يعبر التاريخ الحديث لا لنأخذ دروسا مما اقترفه بعض الطغاة من جرائم منذ بدايات القرن العشرين، بل لنسأل عن الوجه الخفي الذي أسر بسحره فتيات إيطاليا وألمانيا وروسيا والصين ورومانيا، ولأجله انتحرن أو آثرن الموت معه على الحياة من دونه. في هذه الشخصية المزدوجة، بين الديكتاتور الظالم وزير النساء المستبد بولعهن به، نقبت المؤرخة وصاحبة القلم السردي ديان دوكري في آلاف الرسائل والمذكرات وجاءت بمعلومات مذهلة.
كلارا التي أحبت حتى الموت
كان موسوليني كذابا محترفا، يبتكر ألف حيلة ليراعي بين زوجته راشيل وعشيقته كلارا. في العام 1938 كُتب لتلك العلاقة البركانية أن تنطفئ. فقد كانت الحرب على الأبواب وكان بينيتو في حال من الاضطراب الشديد بعدما أصبح الوضع الدولي شغله الشاغل.
تتالت المآسي على موسوليني: من فقدان ابنه برونو في عملية جوية، إلى خساراته على الجبهة الروسية، فإلى مؤامرات داخلية لإسقاطه في أوساط الحزب الوطني الفاشي.
أين هي راشيل؟! وحدها كلارا لم تتخل عنه، بعدما رفضت اللجوء إلى إسبانيا لسلامتها: "من يحب يموت، قدري هو أنت". انتهت الحكاية على طريق بحيرة كوم وهو في حماية الألمان، لكن أنصار الحزب الفاشي كانوا يترقبون هربه إلى أن وقع في أيديهم متخفيا بلباس جندي ألماني. قبل أن يتلقى العاشقان الرصاصة القاتلة قالت له كلارا: "هل أنتَ راض عني لأني سأموت معك؟".
لينين عاشقاً
السياسة لا تتنافى مع الحب. الإعجاب المتبادل بين إينيسا ولينين، حثه على فرض اسمها على لائحة المدعوين إلى محاضرات الاشتراكية الدولية في كوبنهاغن، الى طاولة واحدة مع روزا لوكسمبورغ وتروتسكي وبليخانوف. تطورت علاقتهما حباً أثمر ولدا حملته إينيسا وابنتها فارفارا من زوجها، للسكن مع فلاديمير. كانت إينيسا لا تزال زوجة ألكسندر، وكانت ناديا متجذرة في حياتها مع لينين. صداقة حميمة جمعت بين المرأتين. بذهنية متحررة من كل محظور، توزعتا العمل مع لينين: أخذت ناديا على عاتقها المراسلات مع المناضلين في روسيا، وإينيسا مع المناضلين في أوروبا.
عاش لينين منذ طفولته محوطاً بالنساء. كان يقول: "لا يمكننا ممارسة ديكتاتورية بروليتارية سوى بإجماع ملايين النساء من جانبنا".
بيد أن لينين وبالرغم من ارتياحه لمعشر النساء، كان ينتقد المؤتمرات النسائية السياسية بكلام حاد: "هل في استطاعتكن معالجة المواضيع الجنسية من وجهة نظرالفلسفة المادية التاريخية؟".
في العام 1920 بدأت إينيسا تشكو من نشاطاتها السياسية المرهقة. بانتقالها للنقاهة على ضفاف البحر الأسود راحت تكتب مذكراتها. قلمها أخبر عن امرأة فرغت من حبها الكبير لرجل نذر نفسه للقضية. في تلك الخلوة كان قرارها القضاء على حياتها.
استأنف لينين عمله في العام 1922 بعد شلل أصابه إثر صدمة في الدماغ. لكن إلى كم من الوقت؟ ليلة الميلاد أملى على سكرتيرته ما يشبه الوصية إلى المؤتمر قال فيها: "أنا موقن أن وجود ستالين وتروتسكي خطر يهدد ركيزة البلد. أنصح الرفاق بإبعاد ستالين عن السلطة". وحدها ناديا كانت مكلفة فتح الوصية بعد وفاته.
انتظر ستالين ست سنوات ليحقق ثأره. كانت ناديا تحتفل بميلادها الستين حين تلقت من ستالين قالب حلوى ما إن تذوقته حتى بدأت حالات التسمم تنهش إمعاءها. مشى ستالين في مأتمها يحمل الأناء الذي ضم رمادها.
جلاد روسيا والنساء
كان ستالين رئيس عصابة في القوقاز عندما وقعت زوجته الأولى كاتيرينا في حبه. حياة الفرار والمطاردة، أرهقت الزوجة وأضعفت قواها، إلى أن أصيبت بداء التيفوس الذي قضى عليها. حداده عليها لم يدم طويلاً، إذ احتلت ناديا قلبه فوراً. في البداية عينها مسؤولة في الحزب. من السحر الذي ذره في عينيها انتقلت ناديا إلى حياة مثقلة بالهموم. النقص في المواد الغذائية والشعور بالعيش في سجن كبير، خيبا آمالها، إلى أن وضعت ابنها البكر فاسيلي، بعد خمسة أشهر على زواجه منها. ثم أنجبت ابنتها سفيتلانا.
الفصل الأخير من حياة ناديا مع ستالين جرى ليلة الثامن من تشرين الثاني من العام 1932. كان الكرملين يحتفل بالذكرى الخامسة عشرة للثورة، عندما رفع ستالين نخب استبعاد أعداء الدولة. لكن ناديا لم ترفع كأسها. كان يعلم أنها وبوخارين، لا يحبذان سياسة التجويع التي فرضها على أوكرانيا. ماذا كان يخطط هذان الاثنان؟ راح يتحداها برميها بقشور البرتقال، فانصرفت. وحيدة في غرفتها، قضت على حياتها برصاصة.
حلم الارتقاء الى الأسطورة
الدقائق العشر الأخيرة من خطب هتلر كانت تشبه ذروة النشوة الجنسية. بعد الخطاب الذي القاه في بايرت أمام هتاف الآلاف، زار هتلر في اليوم التالي بيت فاغنر. وقف إجلالا أمام مدفن معبوده. في تلك اللحظة وقعت وينفريد، زوجة سيغفريد بن فاغنر، أسيرة عينيه وجاذبيته.
حين أدخل الى السجن في ميونيخ إثر خطاب تهجمي مدعوم بكمية من الكحول، زاد إعجاب وينفريد به فصارت تبعث إليه برسائل وأوراق وأدوات للكتابة ليدون عليها أفكاره، تلك التي اجتمعت في ما بعد في برنامج سياسي"ماين كامف" (حياتي). هذا الوفاء الهستيري من وينفريد له جعله يحلم جديا بالاستيلاء على هيكل فاغنر. لكن الإرث الفاغنيري لن يكون له. شبه مطرود من هذا البيت العريق، عزى نفسه بأنه ملك الشعب الألماني بدون منازع. ذات يوم جاء من يطرق بابه بدون استئذان: إيفا براون تلك التي كتب لها القدر أن تموت هي ايضا، لكن معه.
رد مع اقتباس
