بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}، أما بعد:
مما لا شك فيه أن منزلة الصلاة عند الله عظيمة، فهي أول الفرائض، وأول ما يرفع من القرآن، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ولمنزلة الصلاة العظيمة، طلب إبراهيم عليه السلام ربَّه فقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي} [سورة إبراهيم: 40].
فالصلاة عظيمة القدر والفائدة، ولها من الأسرار والطاعات والحكم مالا يُعد ولا يُحصى، ولما أصبح بعض المسلمين اليوم لا يهتمون بها، إما جهلاً بقدرها، أو ذهولا وغفلة عن فضلها، لهذا نجد بعضا منهم يؤخرها عن وقتها، أو يتأخر في الذهاب إليها، وقد تشاغل عنها بحديث فارغ، أو بعمل لا طائل من ورائه، بل منهم من يصلي سنين ولم تثمر صلاته ولا اتصاله بالله ولم يسأل نفسه يوماً وهو من المصلين: لِمَ لَم تحقق له صلاته النجاح رغم كثرة هذه الاتصالات، فلم تأمره بمعروف ولم تنهاه عن منكر، وربما لم تغير من حاله أيضا بعد عشرة سنين أو أكثر، وقد قال حذيفة: "إن العبد يشيب عارضاه في الإسلام وما قبلت منه صلاة واحدة، إما أن يكون جاهلا بأحكام الوضوء فيصلي والنجاسة عليه، أو يصلي فيخل بصلاته فلا يتم الركوع والسجود، فلا تصح صلاته فيكون كمن يبني على الماء".
فالصلاة والدعاء كفيلان بإصلاح العبد إن شاء الله، إن أعظم الناس أجراً من حفظ للصلاة طهارتها وحفظ هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فكان العلماء إذا اشتكى أحد من مرض قالوا تفقد صلاتك، وإذا أشتكى من همٍ أو اشتكى من زوجة أو اشتكى من ذنوبه قالوا تفقد صلاتك، لذلك عظم الله قدرها وأمرها؟ لكي يدرك الناس ما فيها من الأسرار والحكم فيقيموها على أتم وجه.
فأليكم بعض ثمرات وفوائد الصلاة:
1- إن من ثمرات الصلاة أنها أفضل القربات، فليس هناك عمل يُتقرب به إلى الله أحب منها، يقول الله في الحديث القدسي: «وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما أفترضه عليه» [رواه البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الصلاة خير موضع، فمن أستطاع منكم أن يستكثر فليفعل»، فالصلاة مقربة من الربَّ، أضف إلى هذا أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [سورة العلق: 19]، فعلى قدر ذكر العبد لله يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بعده عنه.
2- ومن ثمرات الصلاة أنها منهاة عن الإثم: قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [سورة العنكبوت: 45]، وفي المقابل فكل فحشاء ومنكر يصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
3- ومن ثمرات الصلاة أنها مكفرة للسيئات، ولم خص الله عملاً من الأعمال فجعله مكفراً للذنوب كما هو حاصل في الصلاة، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [سورة هود: 114]، قال العلماء: "تواردت الأخبار أنها الصلوات الخمسة، وأنها مكفرة للسيئات".
4- ومن ثمرات الصلاة أنها مطردة للداء من الجسد، فكم عرفنا من المرضى من فشلت العقاقير الطبية في علاجهم، فلما توجهوا للصلاة برأت عللهم وشفى الله أمراضهم، وخصوصاً صلاة الليل قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "لعل هذه الحركات من قيام وسجود وركوع تحليلاً للمواد، وتقوية للجسد، فالصلاة من أكبر الأدوية".
5- ومن ثمرات الصلاة أنها من أعظم الأسباب في رفع الدرجات: قال صلى الله عليه وسلم: «فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة» [رواه مسلم]، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم لربيعه لمَّا طلب مرافقته في الجنة: «أعني على نفسك بكثرة السجود» [رواه النسائي وصححه الألباني].
6- وإن من ثمرات الصلاة نزول الرحمات على العبد مادام في صلاته حتى ينصرف، وحفوف الملائكة به.
7- ومن ثمرات الصلاة أنه من دخل النار من المؤمنين، فإنها لا تصيب مواضع السجود من المصلين خاصة، ولا يوجد هذا في سائر الأعمال، وعلل الرسول صلى الله عليه وسلم عدم إحراق النار مواقع السجود كما ورد ذلك في صحيح البخاري في فضل السجود لقوله صلى الله عليه وسلم: «وحرَّم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود». وفي رواية لمسلم: «إن أقواماً يخرجون يحترقون إلا دارات وجوههم».
ولنا هنا وقفه فانظر إلى طاعة النار لربها، فمع شدة إحراقها فهي لم تتجاوز القدر الذي حدد لها، وانظر إلى العبد مع حقارته كيف يُقدم على المخالفة فطهره ربه بالنار.
8- وإن من ثمرات الصلاة أنها السبب لحدوث السجود يوم القيامة عندما يمتاز المؤمنون عن المنافقون، فمن سجد لله في الدنيا وحافظ على الصلاة فيها، وسجد لله رغبة ورهبة سجد لله يوم القيامة، ومن لم يسجد هنا لم يسجد هناك، وهذا يؤيد قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [سورة القلم: 42]، فعلل سبحانه منعهم من السجود مع قدرتهم بقوله تعالى: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [سورة القلم: 43]، فلما تركوا الصلاة في الدنيا، وامتنعوا عنها مع صحتهم وسلامتهم، عوقبوا يوم القيامة بعدم قدرتهم على السجود، فكل من سجد لله كاذبا أو رياءً أو سمعة يصبح ظهره يوم القيامة طبقة واحدة، كلما أراد السجود خرَّ على قفاه، ذكره البخاري رحمه الله، راجع (تفسير سورة القلم لابن كثير).
9- ومن ثمرات الصلاة أنها منشطة للجوارح والنفوس، فهي أعظم مولد للنشاط اليومي، فكيف لا وهي صلة بين الخالق والمخلوق خمس مرات في اليوم والليلة، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» [رواه النسائي وصححه الألباني] وقوله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال أقم الصلاة، أرحنا بها» [صححه الألباني].
10- ومن ثمرات الصلاة أنها غذاء للأرواح والقلوب، فإنها بحاجة ماسة إلى نزول الرحمات، فكما أن الجسد بحاجة إلى الغذاء، فكذلك الروح، فمعلوم أن كلاً منهما هضم غذاءه فيحتاج دوماً إلى تجديد الغذاء، فجعل الله الصلوات الخمس غذاء للأرواح مقسمة على اليوم والليلة.
11- ومن ثمرات الصلاة أنها مجلبة للأرزاق، فإذا العبد الصلاة وحافظ عليها، رزقه الله من حيث لا يحتسب، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [سورة طه: 132]، فالصلاة مفتاح يُستفتح بها أبواب الرزق.
12- ومن ثمرات الصلاة وعواقبها الحميدة أنها نور للمؤمنين في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهي نور للقلوب والوجوه، فإذا نور الله قلباً لم تضره فتنة، قال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [سورة الفتح: 29]، ونور للمؤمنين في قبورهم: يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: "صلِ ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبر"، ونور للمؤمنين يوم القيامة على الصراط: قال صلى الله عله وسلم: «من حافظ عليها، كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة...» [صححه ابن الباز].
وقال صلى الله عليه وسلم: «بشر المشائين في الظُلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» [رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الصلاة نور» [رواه الألباني في صحيح الترغيب].
13- ومن ثمرات الصلاة أنها رافعة لأمراض القلوب، فلم يبرئ الله أحداً من خلقه من هذه الأمراض، وهي الجزع عند المصائب، والمنع عند حصول الخير إلا المصلين خاصة: قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [سورة المعارج: 19-22]، فهي أمراض رافعة لأمراض القلوب.
14- ومن ثمرات الصلاة أن الله أمر عباده بالفزع إليها والاستعانة بها على مصالح الدنيا، ولم يخص الاستعانة بشيء غيرها، لأنها أكبر عون على مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسدها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة: 153]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد إذا حزبه أمر فزع إليها، وكذلك الأمر عند حصول الكوارث والمصائب، وعند حصول الكسوف والخسوف، فإنه يفزع إليها.
15- ومن ثمرات الصلاة خصوصا صلاة الصبح، إذا صلاها في جماعة، كان في أمان الله وعهده وحفظه، فلا تضره فتنة؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء» [رواه مسلم]، فمن تركها أصبح مطالباً بأداء الذمة والعهد الملتزم به أمام لله.
16- ومن ثمرات الصلاة أنها ثورث ذكر الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [سورة طه: 14]، وقال: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [سورة العنكبوت: 45]، أفلا يحب العبد ما يُذكر به عند ربه؟ ولم يكن في الصلاة فضيلة وشرف وفضل إلا أن يُذكر صاحبها لكفى بها فضيلة، قال تعالى في الحديث القدسي: «فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي» [رواه مسلم].
17- ومن ثمرات الصلاة أن الله عظم أجرها، وأمر بها من قبلنا وأمرنا بها، فهي خمس صلوات مفروضه، وخمسون في الثواب، قال الله تعالى في حديث الإسراء : «هِيَ خَمْسٌ وَهْىَ خَمْسُونَ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ» [رواه مسلم].
*هذه بعض ثمرات الصلاة ولو تقصينا الحديث لطال المقام ولكن هذه إشارات، وإلا فإن فضائلها وثمراتها لتزيد على المائة، ف {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [سورة الصافات: 61].
خاتمة
فإذا عُرف هذا كله فإن أعظم الناس أجراً وبركة في الصلاة من حفظ للصلاة طهارتها ومواقيتها، وحفظ للصلاة أركانها وشروطها، وحفظ للصلاة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث: «وَصَلُّوا كَمَا رَاَيْتُمُونِي اُصَلِّي» [رواه البخاري]، فحفظ هدي النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقص منها شيء ولم يزد فيها شيء؛ لأن الزيادة والحدث شرٌّ.
وإذا عرف هذا كله فإننا إذا رأينا رجلاً يصلي ولا تكسبه صلاته ثمرة من هذه الثمار الثمينة، تحتم أن نجزم أن صلاته ليست هي الصلاة التي أمر الله بها عباده أن يقيموها، وأنه من الذين قاموا إلى الصلاة وهم كسالى ولا يذكرون الله إلا قليلا.
وحتى لا تكون صلاتنا عادة فلابد من مراعاة هذه الشرطية، وهي الفارق بين العادة والعبادة. شرطية الإيمان والإحتساب، مع استحضار هذه الفضائل بدافع من يقين وشوق، قال بعض السلف: "من لم يعرف ثواب الأعمال شقت عليه في جميع الأحوال". علماً بأننا كد كتبنا (مائة أدب في مناجاة رب البرية) فارجع إليها إن أردت.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
دار الوطن