احياء ..انطلق من جلفار ليسبر أغوار شرق العالم
أحمد بن ماجد.. « أمير البحار» المترحل في الريح والمعرفة |
|
تاريخ النشر: الأحد 20 يوليو 2014
ساسي جبيل
أحمد بن ماجد، البحار الإماراتي العريق، واحد من الأسماء التي بقيت عالقة بالذاكرة على مر الزمان رغم أنه غادرنا منذ قرون.. بقي لأنه تميز في مجاله وطور في ميدانه، وأضاف الكثير لعلم البحار والفلك، وترك للأجيال الكثير من المؤلفات والإضافات التي لا يمكن إغفالها عند دراسة التاريخ، وخصوصاً قبل خمسة قرون خلت كانت حافلة بالامتداد الاسلامي الذي ودع فيه أهلنا الأندلس وغرناطة وطليطلة وأشبيلية، وعادوا أدراجهم إلى الأرض الأولى وبعض الديار التي انطلقوا منها في فتوحاتهم، ولعل ما يجعلنا اليوم نتساءل أكثر من أي وقت مضى عن ماهيتنا من جديد هو ذلك التذويب الذي أتى على كثير من خصوصياتنا، وأربك مسيرتنا الحضارية التي بقيت رهينة كتب التاريخ، وفي عداد التراث الإنساني المنسي.
ومن العلماء الذين اقترن اسمهم بهذه الفترة من التاريخ في آخر أيام العرب في الأندلس، أحمد بن ماجد.
قد يتساءل البعض: لماذا نربط هذا العالم بهذا الحدث سالف الذكر؟ الجواب ببساطة يعود الى أن كثيراً من المؤرخين ذهبوا إلى القول، إن رحلة ابن ماجد مرشداً وملاحاً مع فاسكو دي جاما الى الهند تتنزل في سياق إرشاد عدو صليبي الى مناطق أخرى من العالم للامتداد شرقاً، والحقيقة أن رموز هذه المعادلة لا تكون واضحة بالشكل المطلوب، إلا إذا سبرنا أغوار رحلة ومسيرة الملاح والجغرافي والفلكي الأشهر، أحمد بن ماجد بن محمد السعدي النجدي الذي ولد في العام 821 هجري بجلفار (رأس الخيمة حاليا) وتوفي فيها العام 906 هجري، حيث عاش بين قرنين هجريين التاسع والعاشر، وآخرين ميلاديين، هما الخامس عشر والسادس عشر. ويرجع نسبه إلى رأس الخيمة إحدى إمارات دولة الامارات العربية المتحدة اليوم، وسماه البرتغاليون «أمير البحر» و«معلم بحر الهند»، فلقد خبر الرجل دروب البحر ملاحاً ابن ملاح ابن ملاح، ركب البحر شاباً يافعاً، فعرف نكهة مائه ومناطقه وأجوائه وحالاته، واستطاع أن يكون مادة له في العديد من كتبه التي وصل لنا منها نحوالأربعين مؤلفاً، وهي التي أرّخت وعرفت بالكثير من المعارف المتعلقة بالبحر من قريب ومن بعيد، نذكر منها: الفوائد في أصول علم البحر والقواعد، رسالة قلادة الشموس واستخراج قواعد الأسوس، كتاب تحفة الفحول في تمهيد الأصول، العمدة المهدية في ضبط العلوم البحرية، المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر، القصيدة الهمزية، الأرجوزة السبعية، حاوية الاختصار في أصول علم البحاروغيرها..
ارتبط اسم بن ماجد بالرحلة الشهيرة حول رأس الرجاء الصالح إلى الهند لمساعدة فاسكو دي جاما، كما جاء ذكرها عند المؤرخين «النهروالي» و«فراند» من أن الرحالة البرتغالي فاسكو دي جاما استعان بابن ماجد كربّان في ترحاله، وبخاصة في رحلته من مالندي على ساحل إفريقيا الشرقية إلى كاليكوتا في الهند سنة 1498م، لذلك كان أحرى به أن يكون ملقباً بمكتشف طريق الهند.
كان ابن ماجد من العلماء الذين أثروا ببحوثهم المجال البحري، ورسموا الكثير من خرائطه وهو الذي قطع المحيط الهندي، وهو أمر لم يحققه والده وجدّه اللذان بقيت رحلاتهما مرتهنة بالساحل دون الغوص بعيدا في عباب المحيط الذي تجرأ عليه ابن ماجد وفك طلاسمه، وحقق الرجل من خلال ذلك العديد من الإضافات في مجاله، وهي أمور لا يمكن إغفالها بالمرة، باعتبارها قد أصبحت اليوم مراجع مهمة لكل العلماء في مجاله، كما ركب مغناطيساً على البوصلة وأسس قواعد علم جديد هو علم البحار الذي لم يكن معروفاً من قبل، كما استحدث أدوات ملاحية جديدة أهمها اختراعه «البوصلة البحرية» المقسمة إلى 22 درجة، والتي ما تزال مستعملة حتى الآن.
أما الجانب الأدبي من فكر إبن ماجد، فقد ارتبط بالأرجوزة كجنس أدبي، وقد توزعت نصوصه في كثير من أرشيفات العالم، سواء في البرتغال، أو إسطنبول، أو روسيا وغيرها، وهو تراث ما زال متناثرا حتى الآن في أرشيفات متعددة، ما يستدعي بذل جهد مؤسساتي لجمعه وتحقيقه وتبويبه وإعادة نشره.
ولا بد من الإشارة إلى أن عدد أراجيز ابن ماجد وقصائده المكتشفة وصل إلى 34 قصيدة يصل عدد أبياتها إلى 4603 أبيات، وثبت فقدان 18 قصيدة منها، وفي مجال الكتب، فقد ابن ماجد كتابين من تأليفه وهما: «مطول كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» (1475 هجري) وكتاب «شرح الذهبية» و«حاوية الاختصار في أصول علم البحار»،كما ترجمت بعض كتبه مثل «المحيط» إلى العديد من اللغات الحية، علماً أنه كان يتقن العديد من اللغات قراءة وكتابة، وهو من المطلعين القلائل على الكثير من الثقافات والبحوث التي ساعدته كثيراً على خوض العباب والخروج منه بأسرار بقيت، وستبقى عنواناً لما قدمه العلماء العرب والمسلمون للحضارة الإنسانية.