الطلاق الغيابي يثير مشاكل عديدة، خاصةً إذا حدث دون توثيق ولم تعلم به الزوجة لفترة طويلة، وتزيد المشكلة إذا كانت نية الزوج في هذا الطلاق الغيابي التلاعب بزوجته وظلمها. ولهذا بدأت بعض المنظمات النسائية أخيراً تطالب بإلغاء الطلاق الغيابي، وضرورة أن يقع الطلاق حضورياً في وجود الزوجة أو من ينوب عنها.
فهل يوافق علماء الدين على هذا؟ وما هي الضمانات التي وضعها الشرع ليصبح الطلاق الغيابي جائزاً؟ وهل هناك حالات يكون فيها الطلاق الغيابي باطلاً؟
في البداية تُعرّف الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، الطلاق في الإسلام بأنه انفصال الزوجين عن بعضهما، وإما يكون طلاقاً رجعياً يجوز فيه استعادة الزوجة خلال فترة العدة، أو طلاقاً نهائياً، وذلك عندما ينطق الزوج سليم العقل، يمين الطلاق الصريح أمام زوجته في حضورها، أو ينطقها أمام القاضي في غيابها، وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، أو وفقاً للمذهب الفقهي الذي تم عقد الزواج بناءً عليه. فمثلاً في مصر يتم الزواج وفقاً لمذهب الإمام أبي حنيفة، وفي دول المغرب وفقاً للمذهب المالكي، وفي غالبية دول الخليج وفقاً للمذهب الحنبلي أو الشافعي.
وأوضحت أن العرب قبل ظهور الإسلام كانوا يطلقون زوجاتهم ما يشاؤون من عدد الطلقات، فإذا أوشكت عدة الزوجة أن تنقضي راجعها ثم طلقها، أما بعد ظهور الإسلام فقد حدد عدد الطلقات، فقال الله تعالى: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» آية 229 سورة البقرة.
وتضيف الدكتورة عبلة أن الله يؤكد في القرآن الكريم أن الطلاق مرتان، إذا كان «طلاقاً مؤقتاً» يمكن للزوج أن يسترجع زوجته إذا كانت لم تتجاوز مدة العدة، وهي ثلاثة أشهر، أما إذا طلقها الزوج ثلاث مرات فلا يمكنه أن يعود إليها، إلا أن تتزوج رجلاً غيره بنية البقاء مع الزوج الجديد، ثم إذا طلقها الجديد يمكن للقديم أن يسترجعها بمهر وعقد جديدين، وهذا نوع من التأديب لمن يستهتر بالطلاق.
وعن الطلاق الغيابي قالت: «هو طلاق شرعي، يقع إذا تم بشروطه وضوابطه الشرعية، بأن يذهب الزوج إلى القاضي مثلاً ويطلّقها طلاقاً رسمياً في عدم حضورها، أما إذا تم التلاعب الذي يؤثر على إتمامه بالطريقة الشرعية، السابقة فإن الزوج يكون مستهتراً متعدياً على حدود الله التي وضعها لتحديد الحلال من الحرام، ويجب على ولي الأمر عقابه بالعقوبة القانونية المناسبة حماية للأعراض والأنساب».
تلاعب
أما الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتؤكد أن الشريعة الإسلامية، وفق مذهب أهل السنة والجماعة، تنظر إلى حكم الطلاق الغيابي إذا شابه تلاعب أو إضرار بالزوجة بأنه حرام، لأن الإسلام أوصى بحسن معاشرتها، فقال تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» الآية 228 سورة البقرة. لكن إذا وقع خلاف أو رغب الزوج في تطليق زوجته فإنه مأمور بأن يتقي الله في هذا القرار، بحيث لا يظلمها، فقال تعالى: «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» آية 231 سورة البقرة.
وأشارت إلى أن الإسلام حرص على بقاء الود والاحترام بين الزوجين، حتى بعد وقوع الطلقات الثلاث، احتراما لما كان بينهما من حياة زوجية، وقد يكون هناك أولاد، فيجب المحافظة على العلاقة الجيدة بين الأب والأم بعد الطلاق حماية للأطفال، فقال تعالى: «وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» آية 237 سورة البقرة.
عن رأيها في مطالبة بعض المنظمات النسائية بإلغاء الطلاق الغيابي حفاظاً على الزوجة من التلاعب، قالت: «لا يجوز الحكم بإطلاق أو التعميم، لكن يجب أن يكون الحكم على كل حالة حسب ظروفها، فيمكن أن يكون الزوج صالحاً ورغب في تطليق زوجته غيابياً لأي سبب كان، ويريد أن يعطيها حقوقها كاملة بعد الطلاق، فهذا لا مانع منه وليس فيه أي مخالفة للشرع، خاصةً أنه غالباً ما يتم أمام القاضي أو المأذون الموكل من القضاء في عقد الزواج وتوثيق الطلاق، سواء كان حضورياً أو غيابياً. أما إذا كان الزوج مخادعاً ويريد أن يرضي نزواته فيوقع الطلاق الغيابي ولا يتم إعلام الزوجة به، سواء لأنه لم يوقعه أمام القضاء أو أنه تحايل مع المأذون بشكل أو بآخر حتى لا يخبر الزوجة، فهنا يكون الطلاق الغيابي فيه ضرر بزوجته، والإسلام حرَّم الضرر، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
أشد بغضاً
تشير الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق، جامعة الأزهر، إلى أن الطلاق بوجه عام، رغم أنه حل شرعي لحياة زوجية مستحيلة، يظل أمراً غير مرغوب فيه، ويعمل الإسلام إلى البعد عن أسبابه قدر المستطاع، لهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، وبالتالي فإنه يكون مبغوضاً، خاصةً إذا لم تكن هناك حاجة إليه، ومع هذا سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم حلالاً لأنه حكم شرعي، وبالتالي فإنه يكون أشد بغضاً إذا اشتمل على تلاعب في إيقاعه غيابياً بقصد الإضرار بالزوجة أو الزواج عليها بدون علمها، لأنها أصبحت مطلقة غيابياً، فهذا نوع من الظلم الذي حرمه الشرع، وتوعد الله الظالمين الخائنين للعهود والعقود ومنها عقد الزواج، فقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ» الآية 58 سورة الأنفال، وقال الله تعالى أيضاً: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون» الآية 27 سورة الأنفال.
ووصفت خاطر الزوج الذي يطلق زوجته غيابياً ولا يلتزم بأحكام الشرع من الصدق والأمانة ومراعاة الله في حقوق من كانت زوجته بـ»المنافق»، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»، فهذا الزوج فيه الصفات الثلاث للمنافق، ولعل هذه التصرفات من بعض الأزواج الذين لا يخشون الله ما جعلت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: «ولولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه كما دلت عليه الآثار والأصول، ولكن الله أباحه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحيانا».
المجامع الفقهية
تدعو مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى الاستفادة من بعض الأحكام الفقهية، التي تدعو إلى ضرورة وجود شاهدي عدل لإجراء صيغة الطلاق، فإن لم يتوفر شاهدا عدل فلا يقع الطلاق وتبقى علاقة الأسرة على حالها وذلك بهدف تقليل الطلاق بوجه عام والغيابي بوجه خاص وذلك إعمالا للقاعدة الفقهية « درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة».
وطالبت صالح المجامع الفقهية بدراسة هذا الأمر، الذي تعد له فوائد كبيرة في حماية الأسر من شبح الطلاق الذي يتزايد باستمرار ولأتفه الأسباب، بل إنه في كثير من الحالات سواء في حالة الطلاق الغيابي وغيره تكون الزوجة مطلقة ولا تعلم عن طلاقها شيئاً، أما إذا اشترطنا أن الطلاق لا يقع إلا في وجود شاهدي عدل مثلما تم عقد الزواج في وجود شاهدي عدل، مما يقلل التلاعب والاستهتار من جانب بعض الأزواج، ولهذا فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، والحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها.
وأنهت الدكتورة سعاد كلامها بدعوة المجامع الفقهية والهيئات التشريعية إلى الإسراع في رفع الظلم عن المرأة وأولادها من الأزواج المستهترين بالطلاق إلى اشتراط وجود شاهدي عدل حتى يقع، ولا داعي إلى التوقف عند الميراث الفقهي فقط، بل علينا إعمال عقولنا وحسن تفسير الأحكام الشرعية لما فيه مصلحة العباد، ولا شك أن إنصاف الزوجة المظلومة وأولادها قمة العدل، وخاصةً أنه ليس في هذا مخالفة للشرع، وقد أمرنا الله تعالى بالعدل حتى مع الخصوم والأعداء، فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» آية 8 سورة المائدة. ووجه الأمر بالعدل إلى القائمين على شؤونه من أولياء الأمور والقضاة، فقال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» آية 58 سورة النساء.
قاضٍ ومأذون
توافق الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، على مقترح الإشهاد على الطلاق لمنع التلاعب في الطلاق الغيابي، وذلك لأن قيام الأسرة وتأسيسها تم من خلال عقد عند قاضٍ أو مأذون وشهود عدول، ولا يمكن هدم هذا البناء المتكامل الذي تم بالتراضي، والثقة والأمان المتبادلين، في إطار الحقوق والواجبات المتبادلة بسهولة وفي غيبة الزوجة وأهلها بكلمة «زوجتي طالق»، وقد لا تعلم عنها شيئاً، فهذا فيه ظلم وقد حرم الله الظلم على نفسه فلماذا نبيحه للزوجة وأولادها، حيث قال تعالى في الحديث القدسي الذي رواه صلى الله عليه وسلم: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم….»، وبالتالي فلا يجوز أن يمسك الزوج وحده بإنهاء الزواج الذي بدأ على أساس من الرضا المشترك، وإذا كان هناك ما يمنع حضور الزوج أمام زوجته حين إيقاع الطلاق لسفر مثلاً، فإن الشرع أعطاه الحق في أن يوكل أحداً للطلاق وفي حضور الزوجة أو من توكله، ومن الأفضل تطبيق ما حث عليه الإسلام الكريم من الإشهاد على الطلاق مثل الزواج، وكذلك الإشهاد على الرجعة حتى تستبين حدود الله في عصرنا الذي عمّ فيه طلاق النساء من دون علمهن.
وأنهت نصير كلامها بأن من «يتأمل تشريعات الإسلام سيجد اشتراط الإشهاد على الديون والمعاملات، بل إنها أطول آية في القرآن لضمان الحقوق والواجبات بين المتعاملين، حيث قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» آية 282 سورة البقرة. وبالتالي نتساءل: أليس الإشهاد في إنهاء أقدس علاقة إنسانية أولى وأهم لضمان الحقوق وحماية الزوجات وأولادهن من ألاعيب بعض الأزواج الذين لا يخشون الله؟».
هناك فرق
أكد الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن ما جرى عليه العرف في الزواج والطلاق التوثيق للعقود، وذلك لخراب الذمم وضمان الحقوق وتحقيق مصالح العباد، التي هي الغاية العليا للتشريع وحتى لا تضيع هذه المصالح ويفتح المجال للنزاع بين الناس، ومن هنا تأتي خطورة الاعتراف العشوائي بالطلاق الغيابي، الذي قد يكون فيه تلاعب وحيل بهدف الإضرار بالزوجة، ولهذا من الأفضل أن يكون الطلاق حضورياً بحضور الزوجة أو وليها من أب أو أخ أو من توكله، وكذلك لا يتم الاعتراف بالطلاق من جانب الزوج إلا بحضوره شخصياً أو قيامه بتوكيل من ينوب عنه.
ويضيف عطية، أنه حتى إذا قيل أن الطلاق الغيابي يقع من دون إشهاد استناداً إلى قول جمهور الفقهاء من السلف، باعتبار أن الطلاق حق من حقوق الرجل، ولا يحتاج إلى بينة كي يباشر حقه، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد، فإن الظروف في عصرنا تغيرت حيث عم البلاء بالكذب والمماطلة والخداع، ولسنا كما كانوا، حيث كانت كلمة الواحد منهم أقوى من ألف عقد وبدون شهود، والتزموا بقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين» الآية 119 سورة التوبة.
استهتار
ورغم إدانة الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، لاستهتار بعض الأزواج في الطلاق الغيابي، إلا أنه لا يستطيع الإفتاء بمنعه أو حرمته، لأنه يكفي أن ينطق الزوج بألفاظ الطلاق ولو في عدم حضور الزوجة، كأن يقول «طلقت زوجتي» أمام قاضٍ أو مأذون، فيقع الطلاق شرعاً حتى لو لم يتم توثيقه، مع العلم بأن هذا الطلاق الغيابي لا يسقط حقوق الزوجة.
وأوضح عبد الرؤوف أن الصدق يحل مشكلة الطلاق الغيابي، بأن يقوم الزوج باتخاذ الإجراءات الرسمية للطلاق حتى تضمن الزوجة حقوقها، أما كذب الأزواج فهو الذي يوقع هذه المشكلات، لهذا قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إِلى البر، وإن البر يهدي إِلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إِلى الفجور، وإن الفجور يهدي إِلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً».
وبالتالي لا يشترط في إيقاع الطلاق حضور الزوجة، بل يقع الطلاق بحضورها وبغيابها على السواء، لأن الشرع لم يشترط حضورها أو عدمه حين يستخدم الزوج حقه في الطلاق.